"دوجز"انتصار نباح الكلاب ضد اللا إنسانية



كتبت: آية الكحلاوي


انتصر نباح الكلاب ضد اللا إنسانية، على خشبة مسرح السلام، في عرض "دوجز" المشارك ضمن عروض الدورة الرابعة عشر للمهرجان القومي للمسرح المصري، وهو كما وصفه مخرج العرض، مشروع تخرج الدفعة الثانية لمشروع "ابدأ حلمك " بمسرح الشباب.

أول ما يدور بذهن المتلقي سبب اختيار اسم العرض "دوجز وليس كلاب"؟! خاصة أن العرض عربيا خالصا ومشارك في مهرجان عربي ببلد عربي، وهو مايقودنا إلى تساؤل هام، هل دوجز اسما أم صفة أم إسقاط ؟!، فإن كانت صفة ترمز لـ اللا إنسانية من معذبي الكلاب، أو أن العرض في حقيقته إسقاط على الواقع الإنساني، وما الكلاب إلا وسيلة للهرب من المساءلة، فقد يغفر للكاتب هذا الاسم الأجنبي لكونه دالا على البشر في النهاية، واللفظ العربي سيكون شديد القسوة، أما إن كان مجرد اسما يدل على مجتمع الكلاب فعلاً، فما من عار أن يطلق على الكلاب كلابا، وحينها فمن حق أنصار اللغة العربية المعيبون على حمل المحال التجارية أسماء أجنبية أن يعيبوا على عرض عربي يحمل اسما أجنبيا.

يناقش عرض "دوجز" إخراج كمال عطية، وتأليف محمود جمال، مشكلة كلاب الشوارع سواء البلدي أو الأنواع المختلفة المسربة من قِبَل أصحابها، ولم يناقش صناع العرض المشكلة من خلال التعرض للإنسان حضورا أو لسلوكياته إلا بالإشارة مع التركيز على وحشية الكلاب فيما بينهم، مع بعضهم البعض، بعد محاولة تشريسها، فالكلاب إما مفقوءة العين أو مقطوعة الذيل دليلا على همجية الإنسان معهم والذي يتبين عن طريق الحكي، بينما ظل تسلط الكلاب على بعضها حاضرا ممثلا على المسرح.

ومن المعروف أن حديني، من الكُتّاب المهمومين بالحرية والديمقراطية، ولذلك فإن المنظر المسيطر على العرض كانت الأقفاص والسجون والقضبان، فالكلاب أيضا تحلم بحريتها هربا من محاولة تشريسها، وربما كان يريد من هذا الإشارة إلى سلطة الإنسان على أخيه الإنسان، والرضا بالقليل من الفتات والسجن مقابل الأمان، ومع مقارنة حال الكلاب أثناء وجودها في الشارع والحارة البسيطة والأكل من القمامة مع حالهم بعد اعتناء الجمعيات الحقوقية بهم وحبسهم في مكان يبدو نظيفا للغاية ومهيبا وجميلا، نجد أن السعادة في الحرية وخصوصا بعد اكتشاف محاولة تشريسهم بل وتغذيتهم على لحم أصدقائهم الكلاب.

إذا تخطينا الأمر نحو عناصر العرض المختلفة، فأستطيع القول أن أكثرها نجاحا كانت المواهب الشابة، التي استطاعت التعبير عن طاقات تمثيلية قوية من خلال مشروع تخرجهم، وقد استطاعوا تجسيد السلوك الحيواني في الحركة والسكون والغضب، وحتى التملق الذي قد يصل الأمر إلا حد المبالغة في أداء هذا السلوك.

ونأتي لديكور حمدي عطية، المتميز والمتمثل في منظرين، أولهما الحارة المصرية التي عبر عنها المصمم ببنارات كبيرة ملونة تم تغييرها بكل سهولة دون أدنى عرقلة، ليظهر ديكور المنظر الثاني الذي كان عبارة عن سلم ومستوى عالي وعدة اقفاص وشبكة حديدية في مقدمة المسرح بها فتحة صغيرة تدل على نافذة الأمل، وهي طاقة النور الوحيدة داخل محبسهم، وكان الديكور متينا للغاية تحمل حركة الممثلين العنيفة، بالإضافة إلى الإكسسوار المسرحي المتميز المتمثل في العظام والطعام وغيرها.                                                                                              أما ملابس أميرة صابر، فهي احدى نقاط القوة في العرض، حيث استطاعت التعبير عن كافة أنواع الكلاب المختلفة، مثل البلدي والجيرمان واللولو وغيرها، فقد استطاعت تصميم الملابس لكل كلب بما يناسبه مستخدمة الفرو كخامة للتصنيع، وساعدها في التعبير عن أنواع الكلاب المختلفة، مكياج إسلام عباس، الذي أظهر تفاصيل وجوه الكلاب الحقيقية.

ولكن لم ينج العرض من الأخطاء القاتلة، التي غطت على نقاط القوة به، مثل كثرة النباح الذي جعل المتفرج يشعر بالصداع والملل كون لا يحدث شيئا غيره، ما أضطر البعض للإنسحاب مبكرا من قاعة العرض، كما أن قدرة الممثلين على النباح جعلته يغطي على الحوار، وعدم تمييز صوت الأغاني، مثلما تمييز صوت النباح المزعج، وتضافر هذا مع مشاكل الصوت الظاهرة في مكبرات الصوت ما سبب إزعاجا أكثر، الأمر الذي نتج عنه شكوى الجمهور من طنين في الأذن، كل هذا مع الحركة الكثيرة جدا غير المبررة، مع "لخبطة" الاستعراضات التي صممها ضياء شفيق، ما يدل على افتقار الممثلين للياقة البدنية، الأمر الذي هبط بجودة العرض وجمال الفكرة وجرأتها.

لم تقدم الموسيقى إضافة للعرض، فقد جاءت عادية وغير معبرة عن الحزن والفرح، إلا أن  الأغاني التي كانت تتحرر كثيرا من الوزن والقافية لتكون حرة منهما، كانت له قوة  تعبيرية عن الفكرة الكبرى للنص، ألا وهي الحرية من القيود.

يمكن القول بأن عرض دوجز يحمل فكرة قوية، إلا أن العرض أصابه خلل ما، والذي قد يعود إلى عدم قدرة المخرج على التحكم في عناصر العرض المسرحي الكثيرة، بصورة منضبطة ومتقنة.