بعد الحداثة ... أم قبلها؟

 

 


كتبت: هناء حسن


هل يعود الإنسان إلى البدائية في نهاية الزمان؟ ليبدأ من جديد بعد كل تلك التكنولوجيا والتقدم العلمي!! هل سيصبح الجنس البشري متكون من مجموعة مختارة فقط؟ تلك بعض الأسئلة التي طرحها فريق جامعة قناة السويس، في العرض المسرحي "بعد الحداثة" المشارك ضمن فاعليات مهرجان إبداع في دورته التاسعة .

من خلال مجموعة من المختارين وجدوا أنفسهم في مكان وزمان ما، فتساءلوا ما الذي يفعلونه هنا؟ ومن أين أتوا؟ في محاولة طوال أحداث الرحلة أن يجدوا إجابة أو تأقلم على ذلك الوضع الجديد عليهم، تارة من خلال التكنولوچيا، وتارة من خلال العلم، وأخرى عن طريق السلم، أوالفن .

وإذا ألقينا الضوء على مصطلح الحداثة، فيمكننا القول بأنه التجديد والخروج على القوالب القديمة، والتمرد على الماضي، وكان ذلك التيار هو اللبنة الأولى التي أتت بعدها نظرية ما بعد الحداثة والتي ثارت على الحداثة نفسها، ثم ما بعد بعد الحداثة، فالمعنى مرتبط بالزمن، ولكل عصر حداثته؛ فعندما حاول المختارون أن يبدأوا حيث انتهى السابقون حيث التقدم العلمي والتكنولوچيا؛ أدى ذلك إلى نتيجة عكسية وهي التدمير لا البناء، كذلك العلم والنظريات، كنظرية فيثاغورس أو نيوتن؛ لم تجدي نفعا، وذلك بسبب وجود خلل وعقل مشوش لا يستطيع التذكر أو الإستمرار؛ إثر ما يتعرضوا له من دخان أو غاز يخرج من مكان ما ليحاول محاربتهم وخنقهم بعد كل محاولة تبوء بالنجاح .



وبتكرار المحاولات يحدث هناك تطور وتغير في التفكير لمواجهة ذلك الخطر المجهول، فتوصلوا من خلال ذلك إلى صناعة أقنعة تحميهم من ذلك الغاز الخانق، إلى أن توصلوا في النهاية إلى أن المواجهة الحقيقية تكمن في أن يكون الإنسان حر طليق؛ وذلك من خلال لوحة استعراضية في ختام العرض امتزج فيها الغناء والموسيقى مع الحركات الأدائية، فكانا على مستوى جيد، ولكن لم تأت بإجابات كافية للكثير من الأفكار التي طرحها المؤلف أحمد عماد، فالبرغم من سرد الأحداث وترابطها الجيد؛ إلا أنها بحاجة إلى المزيد من التعمق أكثر من ذلك، زاد على هذا الأداء الصوتي للممثلين الذي أصابه عدم وضوح الكلمات في بعض الأحيان، ما أعاق وصول بعض الأفكار وتشتيت المتلقي.

أكثر ما ميز ذلك العرض هو التصوير البصري المتكامل والذي تجسد في لوحات فنية من خلال الأداءات والتشكيلات الجسدية للممثلين، فكانت التكوينات البصرية جيدة ذلك بالرغم من كبر عدد المؤدين على خشبة المسرح المكون من ستة عشر مختار، ولكن استطاع المخرج إسلام تمام، استغلال كافة تلك الطاقات في تكوين صور تشكيلية مميزة ومتوازنة.

يأخذنا ذلك إلى تصميم الديكور والذي يتكون من قطع أو موتيفات تدل على الحياة البدائية، مثل شجرة كبيرة مقطوعة في منتصف خلفية خشبة المسرح، وحوائط مهدمة على الجانبين، وشبكة صيد في الأعلى، فأخذ الديكور مساحة كبيرة من خشبة المسرح، تقارب إلى النصف؛ والتي كان من الممكن أن تستغل في التمثيل، ذلك بجانب استخدام الممثلين لقطع أخرى من الخشب والأسطوانات كأكسسوار في اندماج بين ذلك وأجسادهم، ما زاد إزدحام الأدوات على الخشبة، في الوقت الذي كان من الممكن الإستغناء عن بعض قطع الديكور التي لم يكن لها استخدام واضح في العرض، والإكتفاء بهذا الإندماج والذي نتج عنه الكثير من المعاني، خاصا ونحن نتحدث عن "بعد الحداثة"



الملابس والإضاءة جاءا مكملين للعرض، فألوان الملابس تركزت حول درجات البنية الباهتة، بالإضافة إلى أنها بالية مقطعة، ولكن أعطت لكل مختار ما يميزه، وساعد في ذلك المكياچ الذي ساهم في بروز ذلك الإختلاف، شارك في ذلك أيضا الإضاءة، ولكنها أخفقت في بعض الأحيان في استخدام ألوان حادة وزائدة عن الحد؛ في حين كانت موفقة في التعبير عن الدخان الأبيض الذي تسلط من الأعلى على هيئة شكل مخروطي يمكن أن يرمز إلى السجن أو الإختناق.



ولكن في النهاية، هناك جهد واضح قام به مخرج العمل إسلام تمام، في قيادة الممثلين وكافة عناصر العرض الأخرى والتي تنبئ عن مبدعين يسعون في طرح أفكار جيدة، وممثلين مجتهدين ذوي طاقات واعدة، فالعرض كان بمثابة لوحات فنية متوازنة وجمالية.