كتبت : إيمان زين
العابدين
أول ما يجول في
خاطري عند قراءة عنوان مسرحية " الصندوق الأسود", هو كشف الأسرار والخبايا,
فدائما مايرتبط هذا المصطلح بالأشياء الغامضة والمجهولة التى لا يريد صاحبها أن تظهر
للنور إطلاقا، حيث طرحت المسرحية هذا المفهوم على خشبة مسرح العرائس، ضمن العروض المسرحية
للمسرح العمالى ومسرح البنوك والشركات، في المهرجان القومي للمسرح المصري، إنتاج بنك
مصر، عن طريق الهاتف المحمول، الذي يعتبر الصندوق الأسود لكل إنسان، فنجد فكرة المسرحية
تقوم على تجمع مجموعة من الأصدقاء القدامى فى ليلة رأس السنة للإحتفال معا، وهم ثلاثة
أزواج ورجل أعزب واحد، ويقترح أحدهم لعبة للتسلية أثناء تناولهم للعشاء وهى مشاركة
بعضهم البعض رسائلهم النصية ومكالمتهم الهاتفية، لتصبح على مرآى ومسمع من الجميع. تنكشف
الأسرار ونجد لكل منهم سرا غامضا، منهم الرجل الذي يخون زوجته، والمرأة التى تخون زوجها،
والزوج الذى يذهب لطبيب نفسي، والأم التى تعانى فقدان التواصل مع إبنتها، وكل هذه النماذج
أشبه بقنابل موقوتة تنفجر فى لحظة مكاشفة بينهم.
تعتبر المسرحية
نسخة عن الفيلم الإيطالى الشهير"Perfect Strangers" "غرباء تماما" من إخراج باولو جينوه، وسيناريو فيليبو
بولونيا, فهذا الفيلم الذى يتميز بكون أحداثه تدور فى فضاء واحد وهو المنزل, ويقوم
على حبكة متماسكة مليئة بالتشابكات الدرامية, تجعلنا نتوقع رؤية تجربة ثرية جدا عند
تقديمها على المسرح, ولكن للأسف نجد الإعداد المسرحى لأيمن عبدالفتاح، ومحمود حمدى،
قد جاء على النقيض تماما, فالإقتباس التام بل القص واللزق إن صح التعبير لسيناريو الفيلم
جعل الحوار مجرد من الدراما ومقحم بالإفيهات! ما ترتب عليه وجود خطوط درامية غير مكتملة،
وكثرة ردود الأفعال المضحكة للشخصيات، لمجرد إضحاك الجمهور، وأضاعت الإيقاع الدرامى
للعمل المتناول وكذلك عدم مراعاة الفروق الجوهرية بين السينما والمسرح. جاء الحوار مليء بالسرد المطول والإستغراق فى التفاصيل،
وهو ما لايتناسب مع طبيعة الحوار المسرحى الذى يجب ان يقوم على الصراع والصورة المرئية،
التى ينفعل معها الجمهور داخل المسرح بشكل مباشر وحي تميزه عن شاشة السينما.
كذلك أيضا عدم
مراعاة الفروق الثقافية, فنجد فكرة علاقة الأب بالأبنة, والتي تناولها الفيلم وأوضح
أن الأب كان قريبا متفهما لشخصية إبنته، ولكن وفقا للمعايير الغربية, حيث تشجيعه لها
للسفر مع شاب وإعطائها حريتها المطلقة فى السفر معه على عكس الأم المتحكمة, فنجد تناول
هذا النموذج فى العرض المسرحى تماما كما جاء فى الفيلم دون النظر إلى إختلاف الثقافة
الشرقية عن الغربية، خاصة في قضية سفر البنت مع شاب وحدها! فبالطبع يجب على الأب أن
يكون عطوفا متفهما يعطى حرية وثقة لإبنته ولكن ليس بهذة الصورة الفظة التى جاءت داخل
العرض.
ولم تسلم عناصر السينوغرافيا من التخبط، فنرى الأداء
التمثيلى لم يكن على وتيرة واحدة, فأداء أغلب الممثلين جاء مبالغا يعتمد على السرد
الطويل والتعبيرعن الانفعالات بالزعيق والصوت العالى، فيماعدا الأداء المتميز من ياسمين
رجب، زوجة البواب، وكذلك محمد موسى، المحامى، ويجب الإشادة أيضا بالأداء الرزين للفنان
هاشم عثمان، بينما كان الممثل أحمد شاهين، فى دور أدهم شخصية كوميدية سطحية على عكس
الشخصية الأصلية فى الفيلم التى كانت تمتاز بالعمق.
ولعلنا نجد بعض
النقاط الإيجابية تبعا للرؤية الإخراجية لصلاح الدالى، التى تمثلت فى إستخدامه لبعض
التقنيات المسرحية, فنجد مشاهد مسرحية درامية معبرة على الرغم من عدم إكتمالها ومرورها
سريعا، منها مشهد ظهور الأب العجوز أثناء خناقة إبنه مع زوجته، وأيضا مشهد إكتشاف الإبنة لخيانة والدتها، ولكن
للأسف المشهد الأول لم يتجاوز الدقيقتين، والمشهد الثانى غير مكتمل, حيث نتفاجأ بإظلام
المسرح وقفلة المشهد دون رد فعل واضح.
جاءت فكرة التعليق
الصوتى للتعريف عن كل شخصية عند دخولها، موفقة إلى حدما على الرغم من عدم ذكر تفاصيل
عن طبيعة الشخصيات.
وبتناول الإضاءة
لمحمود حمدى, نجد إنها لم تكن موفقة فى أغلب الأحيان, فقد كان المسرح مليئا بالإضاءة
المبهرجة مابين الأخضر والأبيض الأصفر, وعدم ظبط البؤر الضؤئية فى مشاهد الثنائيات.
وبالنسبة للديكور
كان بسيطا لايوجد به شىء مميزا فكان من الأفضل أن نجد على جدران المنزل ما يعبر عن
طبيعة سكانه، كما يوجد فى منتصف المسرح مجرد طاولة بسيطة بالرغم كونها الفضاء الأساسى
للحدث. وبالنسبة لموسيقى هيام محمد، فنجدها فى بعض الأحيان هزلية لا تتناسب مع الحدث
الدرامى، فتجعله أشبه ببرامج المقالب وفى حين أخر نجدها سريعة تعبرعن قلق وتوتر الشخصيات،
بينما كانت جيدة فى إضافة بعض الأغانى الكلاسكية الرقيقة التى خففت الشعور بالملل
.
الصندوق الأسود هو عرض مسرحى يفتقد إلى الكثير من
العناصر المسرحية، التى تجعله عرض مسرحى متكامل، منها ضعف البنية الدرامية للحوار المقتبس
دون تعديل يتناسب مع فكرة العرض المسرحى، وأيضا نتيجة الإعتماد بصورة مبالغ فيها على
النكات والإفيهات الكوميدية التى أفقدته الكثير من التماسك الدرامى، فأصبح مجردا من
الصورة و الأداء أيضا.
