البحث عن الإنسانية المفقودة في "الجانب الآخر"

 



كتبت: منى علي

الجانب الآخر عرض مسرحي شبابي، لكلية تجارة جامعة حلوان، عرض على مسرح الشباب بالعائم، ضمن الدورة الرابعة عشر من مسابقة المهرجان القومي للمسرح المصري، قدم في لوحة فنية متكاملة الأركان يغلب عليها التعبير الحركي قضايا فلسفية شديدة التعقيد بشكل مبسط، في مدة زمنية لا تزيد عن النصف ساعة.

 طرح العرض مشاكل الإنسان في العصر الحديث من الإغتراب والوحدة والبحث عن الحب والسعي الدائم نحو الرفاهية، ووراء المادة وهى ما كانت ترمز إليها الحقيبة في العرض ظنا من الانسان أنها هى ما تجعل منه أفضل وأعلى من الآخرين، في حين أنها تحوله إلى وحش استهلاكي لا يأبه بمن حوله لا تهمه إلا رغباته وأحلامه فيفقد بذلك انتمائه إلى الإنسانية، ويتحول تدريجيا إلى حيوان متوحش يفترس كل من حوله للوصول إلى حلمه، وقد يصل به حد التوحش إلى قتل شخص آخر ليصل إلى المادة أو الحقيبة التي دار حولها الصراع في العرض من كل الممثلين الذين كانوا يؤدون أدوار حيوانات مختلفة تتصارع  فيما بينها لتعود إلى صورتها الآدمية بالحصول على الحقيبة والتي كانوا يعتقدون بأنها تحتوي على الحل، بينما كان يلهيهم ذلك عن رؤية ما يستوطن بهم من مشاعر وحشية أثناء ذلك الصراع من عدم تقبل الآخر المختلف، وغياب مشاعر الحب والألفة والإحساس بالآخرين.

 ليعود كلا منهم إلى إنسانيته فكل ما عليهم فعله هو التخلي عن ذاك الصراع حول المادة أو الحقيبة، والعودة إلى الأحلام الإنسانية، من الحياة في سلام وحب بالإمكانيات البسيطة والضرورية لسير الحياة، وليس بالشكل الاستهلاكي النهم الذي نراه الآن في العصر الحديث، والذي يحول كل شيء إلى سلعة، ويدفع البشر نحو الصراعات وإفناء ونبذ بعضهم البعض.

جاء الأداء التمثيلي على درجة عالية من الإتقان، وبشكل خاص أداء أحمد طه، الذي أدى دور الفيل وطرح قضية ضغوطات الحياة الحديثة وتحويل الحب إلى سلعة، وبالتالي القضاء على طموح الشباب في تكوين بيت وأسرة بإمكانيات بسيطة متناسبة مع قدراتهم في بداية الحياة، وكذلك جاء أداء مريم عيد، في دور الغراب الباحث عن أن يكون محبوبا وليس كائنا منبوذا من الجميع، وفقط لأنها تريد أن تخوض تجربة الحياة من خلال وجهة نظرها هى وليس من خلال الاعتماد على تجارب وخبرات الآخرين، على العكس من الحصان الذي قام بأداء دوره زياد وليد، والذي كان يحن دائما للماضي ويتفاخر بتاريخ أجداده العظماء دون أن يخبرنا ما صنعه هو ليصبح عظيما مثلهم ويستحق الانتساب إليهم، وكذلك جاء دور القرد الذي أداه اسلام مصطفى، والذي قام بقتل الكبش الذي أدى دوره مصطفى علاء، و خدع كل زملائه من الحيوانات الآخرين، وأوزع إليهم  بفكرة إقامة محكمة لاكتشاف القاتل بينما كان يهدف إلى أشغالهم و إزاحتهم عن الطريق ليصل هو إلى الحقيبة منفردا والتي حصل عليها في النهاية ولكنها لم تعيد إليه آدميته بل زادته توحشا بقتل زميله وتضليل الآخرين وعدم الاكتراث بهم أو بمشاعرهم.

تضافرت كل عناصر العرض في تقديم صورة جمالية  يستحق صانعيها الثناء، بداية من ديكور بيرو، الذي نقل إلى المتلقي حالة الاغتراب وأجواء الحداثة، وملابس هاجر كمال، التي اضفت على العرض مزيد من أجواء الحداثة والتجريب، ومكياج ماجد جمال وهاجر كمال أيضا المتقن، بالإضافة إلى الاستعراضات والتعبيرات الحركية لضياء زكريا، التي أداها فريق التمثيل بخطوات متقنة منضبطة على الرغم من كونهم  ليسوا راقصين محترفين، على وقع موسيقى شريف محمد، وإضاءة أبو بكر الشريف، حيث لعبت العناصر الثلاث دورا هاما في إيصال رسالة العرض وهى صراع إنسان العصر الحديث من أجل استعادة انسانيته المفقودة.

العرض من تأليف محمد يحيى، وإخراج هاني رابح الذي صنع عرضا مسرحيا متميزا ساعده في ذلك كل عناصر العرض بداية من صانع الفكرة مرورا بفريق التمثيل وكل العناصر الفنية الأخرى.

ومن الجدير بالذكر أن العرض المسرحي الجانب الآخر، حصل على جائزة أفضل عرض وأفضل مخرج من جامعة حلوان، وحصد المركز الثاني في مهرجان إبداع في موسمه التاسع، وكذلك جائزة أفضل مخرج مركز ثان من نفس المهرجان.