"ديجافو" عرض فلسفي يفتقد إلى رؤية إخراجية منضبطة



كتب: محمد حسين

من الضروري أن يتأمل الإنسان ذاته، ويراجع قراراته، ويطرح سؤال هام جدا؛ هل أنا على صواب وعلى دراية بما يحدث أم على جهل بأمر ما، هل كل ما أؤمن به من معتقدات ومبادئ توجهني في الاتجاه الصحيح أم أنا أسير في الطريق المعاكس؟

دعت مسرحية " ديجافو" التي عرضت على مسرح الهناجر، ضمن مسابقة المهرجان القومي للمسرح المصري، في دورته الرابعة عشر، المتلقي للتفكير في هذه الأسئلة، حيث تدور فكرة المسرحية حول الصراعات التى يخوضها الإنسان مع نفسه وأفكاره يوميا من جهة وعن اختياراته وقناعاته وقراراته من جهة أخرى.

ومن جهة أخرى تدعو إلى فكرة تبنى صحة القضايا المطروحة من عدم صحتها، فمثلا عندما تعرض عليك قضية أو قصة ما لتبدى رأيك فيها، فتجد أنك عندما تتعرض لرأى طرف معين ويتفق مع وجهة نظرك فتبادله نفس الشعور، وتبدأ في اصدار التهم والأحكام على الطرف الآخر، ولكن عندما يأتي الطرف الآخر بوجهة نظره ويبدأ في اقناعك فتتفق معه أيضا، هنا يبدأ دور العقل فى لعبة تتخيلها سهلة، أو يتخيلها البعض أنك منافق أو انك لا تستطيع تبني رأى معين أو حتى محايد ولكن هنا مكمن الحقيقة أنه لايوجد وجهة نظر صحيحة مطلقة ولا وجهة نظر سيئة مطلقة ويتوجب عليك عدم الحكم على الأشياء بمجرد النظر اليها.

تبدو الفكرة أو الإطار الذى يتبناه العرض المسرحي فلسفية وممتازة، لأنها تدعو إلى الإتيان ببواطن الأمور حتى تستطيع التحكم في انفعالاتك واصدار قرارتك لكن هناك العديد من الاسئلة التى بمجرد انتهاء العرض قد تطرحها على نفسك :-

1-   هل استطاع المؤلف بلورة هذه الفكرة ؟

2-   هل أجاد المخرج في توصيل هذه الفكرة ؟

3-   هل الديكور الموحد طول فترة العرض خدم هذه الفكرة ؟

4-   هل اختيار الممثلين لشخصيات المسرحية مناسب ؟

لن أستفيض في أسئلتي والتي تحمل في طياتها الإجابة بالنفي، ولكن السبب الإيجابي الوحيد الذى جعلني أستطيع أن أكمل حتى نهاية العرض المسرحي هو تقديري واحترامي للفنان حمزة العيلي، فقد كان الوحيد الذى وجه أدائه التمثيلي والتعبيري في الطريق الصحيح، لتوضيح الانفعالات الخاصة بحيرة الانسان فى أخذ قرارته، ةهو المطلوب توصيله طوال العرض المسرحي.

كما كانت الفنانة رحمة أحمد، هي الممثلة الكوميدية بالعرض المسرحي، فقد كانت ثاني أفضل شيء مبهج لأنها كانت ملمة بدوافع دورها في القصة المؤداه ولا أخفى عليكم كانت أكثر ممثلة يصفق لها الجمهور .

واخيرا وليس اخرا  الملفت في العرض المسرحي هو عدم وجود اسماء للشخصيات الأخرى غير البطل فلها ناحية جمالية قدرتها كثيرا، فمن الممكن ان تصورهم بأنهم أفكارك أو مشاكلك أو أعدائك أو مسببات قراراتك أو متغيرات حياتك اليومية .

 كانت الإضاءة من أهم عوامل الجذب طول العرض المسرحي، تجنباً لحالة الملل والسلبية فى اعداد العرض فمثلا الضوء الأصفر المسلط على باب الشقة مع عتمة الغرفة في نهاية العرض المسرحي كان له دلالة واضحة توحى بالأمل عند بعض الناس وتوحى تارة أخرى بأنه يجب علينا عدم الالتزام بأفكار معينة قد تكون سلبية على حياتنا.

 ونصل للسؤال الخاص بمدى ملائمة الممثلين لأدوارهم، بجانب احترامي وتقديري لأحمد خشبة، كمقلد فنانين لكن هل كان اختياره للعب هذا الدور صحيحا، هل كان وجوبا عليه عند تقديمه لمشهد الوصية أن يرويها علينا مقلدا صوت الفنان فؤاد أحمد، الامر الذي من شأنه أن يفصل المتلقي من حالة العرض التي لم تكن بحاجة للمزيد من عوامل التشتيت، وأيضا عندما أراد أن يتحول فى أداءه التمثيلى فى مشهد العتاب على صديقه عندما قال " أقولك يا صاحبى انا ماشى وأقولك متشغلش بالك بيا " كان أدائه مفتعلا جدا.

والممثلة رشا جابر، كانت مستمرة طوال العرض على نفس نبرة الأداء الصوتي، فالإغراء يشبه الخوف يشبه التهديد.

 لعل كل الأسئلة والأمور التي طرحت في المقابل يقع عاتقها على المخرج، فكل عناصر العرض تعد هي الأدوات التي يتحكم بها المخرج لتوضيح رؤيته في النص المقدم، ولكن نجح الاخراج المسرحي في إثارة  الاستفزاز والملل لدى الجمهور، من خلال الديكور الموحد طوال فترة العرض، والموسيقى التي لم تبرز أو توضح أي شيء، وكانت مثار سخرية حيث استخدام الموسيقى التي تشبه الكاميرا الخفية، والتي كانت أحيانا تسبق المشهد المراد توضيحه وأحيانا تتأخر عنه.

في النهاية يمكن القول بان "ديجافو" عرض جيد في المضمون والفكرة ولكن بحاجة إلى اهتمام ومراجعة كثيرة وقوية من قبل مخرج العرض، فتقديم فكرة فلسفية جيدة مثل فكرة العرض بحاجة إلى رؤية متقنة ومنضبطة قادرة على الوصول بسهولة للمتلقي دون شعوره بالملل أول لجؤه إلى النوم أثناء العرض.