كتبت : منى علي
عرض مقتبس من رواية
الأديب العظيم "فيكتور هوجو"، التي تحمل نفس الإسم، وتطرح العديد من القضايا
الإنسانية، وتعد بمثابة نقد لاذع لممثلي العدالة على الأرض من القضاة والملوك ورجال
الدين في تلك الحقبة في القرن الخامس عشر في فرنسا، وتطويعهم للعدالة وفق لرؤياهم ومصالحهم
الخاصة، وكذلك تطرح الرواية قضية الحكم على البشر وفق مظاهرهم الخارجية وطبقاتهم التي
ينتمون إليها.
على الجانب
الأخر تعرض الرواية "القلوب الرحيمة الطيبة" التي لا تعرف مثل تلك الأحكام
التي يصدرها البشر على بعضهم البعض وفق طبقاتهم وأشكالهم قبيحة كانت أم جميلة؛ وتظهر
تلك المفارقة من عرض لأوجه الحب المختلفة وكيف يمكن أن يكون حب تملك وأنانية وكيف يمكن
أن يكون شهوانيا من أعلى الناس مكانة وأحسنهم شكلا وفق أحكام البشر؛ وكيف يمكن أن يكون
الصادق والطاهر هو أحط الناس مكانة وأقبحهم شكلا وفق أحكام البشر على المظاهر الخارجية
لبعضهم البعض.
قدم المخرج ناصر عبدالمنعم، العرض المسرحي "أحدب نوتردام"، إعداد وترجمة الكاتب الراحل أسامة نور الدين، على خشبة مسرح الطليعة، ضمن فعاليات المهرجان القومي للمسرح في دورته الرابعة عشر، حيث أكسب المخرج ناصر عبدالمنعم، النص روحاً وصبغة جديدة، و قدمه في قالب استعراضي سلس، كان قادراً على توصيل حالة العرض للمتلقي بيسر، بالإضافة إلى إدخال تعديلات وشخصيات لم تكن موجودة بالنص الأساسي للرواية كشخصية كريستين زوجة ملك الغجر، وأزيلت شخصيات أساسية بالنص الروائي كالعنزة جابي؛ عنزة البطلة التي تساعدها في أداء عروضها الراقصة.
صممت الرقصات كريمة
بدير، بشكل متقن، وتم أداؤها من قبل فريق التمثيل على ألحان وموسيقى كريم عرفه، ومثلت
الرقصات والموسيقى نقطة قوة بالعرض حيث جاءت مناسبة لبعضها البعض، وتم تأديتها بشكل
متقن وسلس، وكذلك الأشعار التي كتبها طارق علي، جاءت معبرة وموضحة لأحداث المسرحية،
والتي كانت وسيلة درامية أفضل بكثير من الخطابة المباشرة والسرد الموجه، الذي قطع أحدث
المسرحية عدة مرات ليحكي للجمهور تارة عن مشاعر الشخصيات كشخصية البطل (الأحدب)، وتارة
عن خلفيات الأحداث ودوافع الشخصيات كشخصية الأخت جيدول التي تكره مظاهر الاحتفالات
والغجر لأنهم اختطفوا ابنتها وهي صغيرة.
جاء الديكور تصميم
حمدي عطية، بسيط ومعبر عن الأماكن التي تدور بها الأحداث؛ كساحة الميدان المطلة على
الكنيسة أو قاعة المحكمة التي جرت فيها محاكمة أزميرالدا وكوازيمودو، وغيرها من أماكن
المسرحية، وتضافرت إضاءة أبو بكر الشريف،
مع عناصر الصورة المسرحية، بشكل متميز في التعبير عن الأحداث.
وتميزت أزياء نعيمة عجمي، التي جاءت معبرة عن شخصيات الغجر، والأسقف، والقاضي والضابط وغيرهم من شخصيات العرض.
وجاء مكياج إسلام
عباس، دقيقا ومتقن للغاية وظهر ذلك بوضوح في مكياج شخصية الأحدب، وإظهار التشوهات التي
يعاني منها.
وعن الأداء التمثيلي،
فقد تميز أداء البطلة أزميرالدا، والبطل الأحدب وشخصية الأسقف، وتجلى اتقان الأداء
في شخصية الأسقف من خلال التحكم في درجات الصوت والانفعالات الداخلية الملائمة لطبيعة
الشخصية الدينية، وكانت البطلة في العرض وجه جميل كبطلة الرواية، إلا أنها لم تظهر الإنفعالات
والتعبيرات الكافية في بعض المشاهد، كمشهد التعذيب أثناء المحاكمة أو أثناء زيارة الأسقف
لها ليخيرها بين أن تصبح ملكه أو أن يستمر سجنها.
عانى عرض
" أحدب نوتردام" من بعض نقاط الضعف" والتي جاء أبرزها أداء العديد من
الشخصيات والذي اتسم بالمبالغة والمغالاة، كشخصية كلوبال ملك الغجر، وشخصية الضابط
فيبوس، وشخصية الشاعر بيار جوانجوار، وشخصية الممثل ميشيل، من حيث ارتفاع الصوت الدائم
أثناء العرض والمبالغة في الانفعالات.
بالرغم من
اعتماد الحوار على الكوميديا البسيطة، إلا أنها وصلت في بعض الأحيان إلى حد الإبتذال،
ففي نص من المفترض أن قضيته الأساسية هى العدالة، تمت الإساءة للنساء والسخرية منهن
وحصر قيمتهن في جمال الشكل الخارجي.
يضاف إلى نقاط
الضعف وجود دور الراوي الذي أدى إلى تشتيت
وفصل الحالة المسرحية عن المتلقي، ولعل الوسيلة الشعرية كانت الأفضل في التعبير الدرامي
عن العرض.
بالرغم من أن التكوينات
الشكلية للمشاهد المسرحية كانت جيدة ومنضبطة، إلا أنه لم يتم استغلال منطقة وسط خشبة
المسرح بالشكل الأمثل، إذ دارت مشاهد تعد رئيسية كزيارة الأسقف لأزميرالدا في السجن،
ومشهد لقاء الأم ( الأخت جيدول) بالابنة الضائعة (أزميرالدا)، على جوانب المسرح.
يمكن أن نخلُص
إلى أن عرض " أحدب نوتردام" يحمل صورة مسرحية إستعراضية مبهرة، تعبر عن
إمكانيات إخراجية متميزة للمخرج الكبير ناصر عبدالمنعم، و تطويعه لأدواته بما يخدم
العرض المسرحي والذي يعطيه بصمة مميزة، ولكن يحمل العرض في طياته بعض الأمور التي تحتاج
إلى مراجعة.