كتبت: ماهيتاب خيري
أصبح التنمر من المواضيع المهمة والتي طرحت نفسها وبقوة للنقاش في الأعمال الدرامية، فهو مادة مشبعة بالمشاعر الإنسانية والأزمات النفسية.
انتشر التنمر بصورة كبيرة وسريعة في الأونة
الآخيرة، وأصبح كالسرطان ينتشر بين فئات المجتمع المختلفة، وفي كل الأعمار، ولعل
خطورته تكمن فيما يترتب عليه من مشاكل نفسية لمن يقع عليه التنمر.
تناولت الدراما التنمر وضحاياه من
مختلف الأعمار، منها مسلسل خلي بالك من زيزي، الذي تناول التنمر الذي يتعرض له
الأطفال من أقرانهم، أو مراحل عمرية كبيرة
كما عرضها مسلسل مدرسة الروابي للفتيات.
عرض مسلسل الروابي، وهو أردني الجنسية،
على منصة نتفليكس، فكرة وتأليف وإخراج تيما الشوملي، وبطولة مجموعة من الوجوه
الشابة الصاعدة، ومكون من ٦ حلقات فهو موسم ١ فقط، ويعد الروابي، ثاني مسلسل عربي من
انتاج شركة نتفليكس.
تدور الأحداث فى قالب درامي اجتماعي، داخل
مدرسة للفتيات، حيث من المفترض أن تعكس فتيات المدرسة مبادئ وقيم المدرسة، والتي تتضح
من خلال النشيد الخاص بالمدرسة، ولكن سرعان ما نجد أن هذه القيم والمبادئ ليست سوا
نشيد تلقيه الفتيات في طابور الصباح، فنجد ثلاث من الفتيات كما يطلق عليهن "الفتيات
المشهورات"، هن المسيطرات على المدرسة بالكامل بداية من الطلبة إلى المعلمات وحتى
مديرة المدرسة، فمن المفترض أن تكون مديرة المدرسة تتسم بالحزم، إلا أنها تتغاضى عن
كل ما يفعله الفتيات الثلاثة، ويرجع ذلك لخوفها الشديد من والد إحدى الطالبات، فهو
دبلوماسي ذو مكانة كبيرة، وخوفا منه حتى لا يغلق المدرسة، وبذلك يصبح كل شيء مباح لهؤلاء
الفتيات، اللاتي يمارسن التنمر على الجميع.
يظهر التنمر بقوة على مريم، التي تصاب بحالة
من الإنهيار النفسي، ما يؤدي إلى انتقامها منهن واحدة تلو الأخرى بمساعدة اثنتين من
زميلاتها فيقمن بوضع خطة للقضاء على الثلاث فتيات، ولكن لنا هنا وقفة، لما ذات تم اختيار مريم لتكون هي الضحية الكبرى
للتنمر، بالرغم من عدم وجود مبرر درامي لبداية هذا التنمر على هذه الفتاة بالتحديد.
يجد المتابع للأعمال الأجنبية، مع بداية
الأحداث، تشابه كبير جدا بينه وبين فيلم mean girls، حيث نفس عدد الطالبات ونفس تنمرهم على شخصية بعينها، ولكن مع الاستمرار
فى أحداث المسلسل نجد اختلاف طفيف في الأحداث، حيث قيام صناع العمل بتعريبه، حتى يتماشى
مع ثقافة المجتمع العربي، وهو ما اعتقد أن صناع العمل قد نجحوا فيه بشكل كبير.
بمتابعة الأحداث نجد أن تنمر هؤلاء الفتيات
ليس نابع من فراغ، بل نجد أن أساسه من داخل أسرة كل واحدة منهن، فمنهن من تقوم أسرتها
بالتقليل من شأنها، وأنها لا تملك المال ولا الجمال اللازم للزواج, ومنهن من تتعرض
للعنف الأسري والذي يتمثل في الضرب المستمر، وأخيرا من تتعرض للتقييد والمراقبة المستمرة،
وهو ما ينعكس على تصرفاتهن بشكل لا إرادي، ويجعلهن غير أسوياء، في تعاملهن مع باقي
الفتيات في المدرسة.
على
الجانب التمثيلي، استطاعت بطلات العمل "ركين
سعد، جوانا عريضة، نور طاهر، أندريا طايع، يارا مصطفي، ريم سعدي، جنا
زين الدين، نديره عمران، وسلسبيلة" القيام بأدوارهن على أكمل وجه، من خلال التعابير الجسدية وتعابير الوجه،
التي تبرز كم المشاعر والتمثيل الصادق في عمل درامي مليء بالإنفعالات الدرامية والنفسية
المعقدة، والتى تتطلب قدرات تمثيلية عالية أو أن يكون الممثل قد مر بها بشكل شخصي،
حتى يستطيع التعبير عنها بهذه الصورة الصادقة، أيضا عكست الموسيقى المستخدمة والأغاني،
الحالة النفسية والمشاعر دون أي مبالغة.
يعد مدرسة الروابي للفتيات، رؤية
متميزة وتناول جريء يحسب للمخرجة تيما الشوملي، التي تسنطاعت التعبير عن قضية
خطيرة قادرة على هدم المجتمعات برؤية سلسة وصورة بصرية مشوقة.
وعلى الرغم من كثرة الانتقادات التى وجهت
للمسلسل، والمخرجة، من أن العمل غير ملائم للطبيعة العربية، لما يحتويه على ألفاظ وأفعال
خارجة، وأنه مصنف من قبل نتفليكس +١٦،
فيما أنه يجب تصنيفه +18، إلا أننى أرى ذلك من باب المبالغة، فهناك بعض العبارات الخارجة
ولكن بصورة قليلة، وداخل إطارها الصحيح وليست بصورة فجة للمشاهد العربي، الذي أصبح
يرى في الدراما الرمضانية أكثر من تلك الأمور التي يتم انتقادها في مسلسل الروابي.
يعد مسلسل مدرسة الروابي للفتيات، عمل قيم
في محتواه، حيث يسلط الضوء على عدة قضايا أهمها لأسباب الرئيسية التي تجعل من
الشخص متنمراً على غيره، والتي يبرز العمل أن السبب الرئيسي هو الأهل وأساليب التربية
الخاطئة التي يتبعها الأهالي في التعامل مع فتياتهم، أيضا اهتم العمل بتوضيح نتائج
التنمر على ضحايا المتنمرين، بل وما يتعرض له المتنمرون على يد ضحاياهم نتيجة
الزمات والعقد النفسية التي تتولد عند الضحايا، بالإضافة إلى إبراز سيطرة النفوذ السياسي، وإرهابه
للمنظومة التعليمية، حتي يبيح الخطأ لمن يحتمون به في ظل النفوس الضعيفة من مسئوولي
التعليم وتربية النشء الجديد، ليصبح الروابي بمثابة جرس إنذار أخر لضرورة تصحيح كل
هذه الأخطاء ومعالجتها، لعدم إخراج أجيال تتخذ التنمر أسلوب حياة .