كتب: عبدالله شاهر
عند سماعك
الجزء الأول من جملة "اللي مالوش
كبير" تقوم بتكملة الجملة تلقائياً
مكملاً "بيشتريله كبير" وهي
المقولة المتوارثة ومنتشرة في الأوساط الشعبية وهي تعبيراً عن حاجة الشخص إلى
الأكبر منه سناً او مقاماً، إما لحمايته من نفسه او من الأخرين، أو الأخذ بالنصيحة
والرأي.. والرجوع إليه في أموره الشخصية والحياتية، ولكن المؤلف عمرو محمود ياسين
اكتفى بالجزء الأول من الجملة فقط ليصبح اسم العمل " اللي مالوش كبير"
تعبيراً عن الشخص الذي يفعل ما يحلو له دون الرجوع إلى احد، دون وجود رادع له معتمداً
على قوته العضلية، وهو ما نراه ف شخصية الخديوي .
يصحبنا المؤلف "عمرو محمود ياسين"
والذي يستحق لقب " الحرفجي"، إلى عالم الفئات الشعبية دون الاعتماد على الالفاظ
الخارجة او الإيحاءات، والتي يميل الأغلب الأعم من الكتاب إلى استخدامها وكأنها
السبيل الوحيد للتعبير عن تلك الفئة من المجتمع ليعرض لنا البلطجة المتمثلة في
البلطجة العضلية.. أو ما يمكن تسميتها بسيادة قانون الغاب في ذلك الوسط،
وأيضا البلطجة الرأسمالية والموجودة في
الأوساط الراقية وصفوة المجتمع.
يقوم العمل
على خطين دراميين، وهما (عالم الخديوي وعالم غزل) ويقوم كل خط درامي على مايمكن تسميته بالمثلث لدرامي، لنجد مثلث
الخط الخاص بالخديوي يتكون من ثلاث أضلع هم ( الخديوي – قدرية –الدهبي)، حيث نشب الصراع بين الدهبي والخديوي، وهم
الممثلزن للبلطجة العضلية، بعد تفضيل قدرية للخديوي وزواجها منه، ومثلث الخط الخاص بعالم غزل ( عابد– غزل – الخديوي)، حيث
غزل المتزوجة من عابد تيمور والذي يمثل البلطجة الرأسمالية والأعمال المشبوهة،
والذي تستفيد منه عائلة غزل بأكملها، ولكن غزل تحتمي بالخديوي وتترك عابد، ولعل
الضلع المشترك بين المثلثين هو شخصية الخديوي، وان كان يجمع المثلثين فكرة الحب
بين طرفين وإثارة غيرة الطرف الأخر والمتمثل في ( الدهبي وعابد تيمور) لينشأ
الصراع بين شخصيات العمل.
قلما نجد
عملا يتجاوز ال 15 حلقة دون الإحساس
بالتطويل والمماطلة في الأحداث، وهو ما تفاداه مسلسل " اللي مالوش كبير"
فقد اقترب من نهايته ومع ذلك لم يصدر احساس الملل والتطويل كباقي الأعمال التي
خرجت من حسابات المشاهد لسباق الدراما الرمضاني مبكراً، فدائما ما تحمل الحلقة
مزيجاُ من الإثارة والتشويق والبصمة الرومانسية التي تميز المؤلف في كافة اعماله.
ايضا اختيار
اماكن الإقامة لأبطال العمل، فنجد أن
العالم الخاص بشخصية سيف الخديوي يدور في منطقة شعبية تبرز اسلوب ومنطق
التعامل بين افرادها والصراع بداخلها، بينما عالم غزل وهو العالم الذي يملكه عابد
تيمور، والمتمثل في فندق فخم وراقي، وإن كان المكان هنا يحمل دلالة هامة، ألا وهي
أن شخصية ثرية مثل عابد تيمور كانت تستطيع ان توفر منزلًا خاصاً وفخمًا لزوجته (
غزل) ولكنه فضل إقامتها في الفندق، ويحمل الفندق دلالات عدة أولهما ان الفندق ملك
" عابد تيمور" وكأنه يؤجر له غرفة فقط مثلها مثل نزلاء الفندق، ثانياً
الفندق ليس مكان إقامة ثابت، فمهما امتدت إقامة الفرد لأيام وشهور وسنين، ولكن لابد
أن يأتي وقت الرحيل، وكأن حياة غزل مع عابد حياة مؤقتة وسيأتي الوقت الذي تنتهي
فيه، فهي ضيفة أو نزيلة مثل باقي نزلاء الفندق.
ولعل
الكيميا بين المؤلف والمخرج مصطفى فكري، هي أهم مايميز العمل، فهو ليس بالعمل
الأول بينهما، وتتضح قدرة فكرى على تجسيد العمل بصورة مرئية، اعطي كل عنصر فيها
حقه كاملاً دون الشعور بأن هناك ماينقص الكادر الذي يراه المشاهد، وإن كان أبرز
تلك اللحظات هي مراجعة عابد تيمور لأفعاله في غرفة مليه بالمرايا والتي تكشف عن
وجوه عابد المتعددة والتي تنتهي بانتحاره. بالإضافة إلى عدم المبالغة في تنفيذ
مشاهد القتال والحركة بالرغم من كثرتها، وأيضا دقة إختيار الممثلين في كافة
الأدوار المؤثرة في كلا من عالمي الخديوي وغزل.
تحمل شخصيات
عمرو محمود ياسين الكثير من المشاعر والتحولات، لتكتمل براعة العمل بالأداء المميز
لكافة الممثلين المشاركين في العمل خاصة الثلاثي ( احمد العوضي، ياسمين عبدالعزيز،
خالد الصاوي) حسب ترتيب الظهور، بداية ب احمد العوضي، الذي يثبت عملاً بعد الأخر
أنه يتطور ويستطيع الإلمام بأدق تفاصيل الشخصية التي يجسدها، لنجده تمكن من شخصية
سيف الخديوي، من حيث اسلوب الكلام ولغة الجسد الخاصة بتلك الشخصية، وتعاملها في
مختلف المواقف حتى في اللحظات الرومانسية نجد إتقان في إظهار هذا الجانب من تلك
الشخصية القوية بما يلائم طبيعتها، دون تصنع ومغالاة، مؤكدا على الموهبة القوية والاجتهاد المستمر.
وننتقل
إلى ياسمين عبدالعزيز التي اصبحت مشارك اساسي في الدراما الرمضانية، نظراً
للإمكانيات التمثيلية التي تبرزها في كل شخصية تقوم بها، وتأكد على انها مازال
لديها الكثير لتقدمه، وهو ما أكدت عليه من خلال شخصية " غزل" تلك
الشخصية التي ظهرت بمظهر القوة في البداية ثم نراها مرعوبة وتمر بلحظات ذل وانكسار من زوجها،
وخذلان من عائلتها، فقد كانت قادرة على
توصيل الحالات النفسية والشعورية التي تمر بها الشخصية بإقتدار.
ونصل للجوكر
"خالد الصاوي" الذي يثبت عملا تلو
الأخر أن الموهبة الاستثنائية قادرة على
كسر كافة التابوهات والقوالب المتعارف
عليها لأي شخصية يجسدها، وأنه مصدر قوة وثقل لأي عمل يقوم ببطولته، يجد المشاهد نفسه أمام "
عابد تيمور" شخصية مركبة تعاني من مشاكل وعقد نفسية، يشك في كل من حوله، عاشق
للسيطرة، كل من حوله بمثابة عرائس خيوطها بيده، محب للمال ومحب لتملك كل من حوله، سواء اشخاص أو أشياء، وعندما تعرض للرفض من فتاة بسيطة كانت هي من استطاع امتلاكه هو،
وأصبحت نقطة ضعفه ودفعته للانتحار بعدما تركته، لنرى خالد الصاوي ينتقل برشاقة
وسلاسة بين هذه التحولات والمحطات التي تمر بيها الشخصية، ويقدم أحد اقوى المشاهد
في تاريخه حيث يراجع نفسه وما فعله طوال حياته ويقرر الانتحار.
وايضا شخصية
" قدرية" والتي تعد المعادل لشخصية عابد تيمور فهي تحب الخديوي وتفكر في
حلول دموية للتخلص من غزل، والتي ادتها باقتدار دينا فؤاد.
ونجد شخصية الضابط "محمود الرحاوي" والذي يمثل القانون، في محاولة لهدم مقولة اللي مالوش كبير وإثبات ان القانون هو الكبير الذي يجب اللجوء إليه، وبالرغم من أن أحمد سعيد يجسد دور الضابط في عملين هذا الموسم إلا أنه يجعل المتلقي مقتنع بأنه أمام شخصتين مختلفتين، بأداء قوي.
وتجدر
الإشادة ب ايمان السيد " مفاتن"، والتي تعد العنصر الكوميدي في العمل
والذي يخفف من حدة الأحداث، ولن نغفل فريق العمل الذي تميز كلا منهم في دوره
واكتمال الصورة وجودة العمل، وهدى
الأتربي، احمد الرفاعي، خالد سرحان، صبا الرافعي، محمد يونس، احمد عبدالله محمود،
محمود حافظ، وباقي طاقم العمل، استايلست استطاع التعبير عن طريق الملابس عن كل
طبقة يتناولها العمل، ومدير تصوير وماكياج، وموسيقى.
يمكن القول
بأن " اللي مالوش كبير" مرشح للفوز بقوة في سباق الدراما الرمضاني لهذ
العام، نظراً للانضباط الفني والإتقان الذي ظهر به العمل، والذي سيترك بصمة مميزة
لكل من شارك به.

