كتبت: نهى العجمي
لا شك ان اي عمل فنى يتناول قضية وطنية في مصر يصبح عملا جماهيريا يتابعه المشاهد المصري بحب وحماس، بل يمكن أن نقول أنها الوصفة المضمونة للنجاح، فإذا اردت ألا تجازف فعليك بانتاج عمل وطنى يتناول احداث حقيقية وتاريخية ومن ثم أجلس وشاهد النجاح، ولعل هذا السبب هو صاحب نصيب الأسد في نجاح الأختيار بجزئيه.
شارك المخرج بيتر ميمي، في السباق الرمضاني لأربعة اعوام متتالية بأعمال درامية لاقت نجاحا جماهيريا كبيرا بدأها ب(كلبش 2017) والذي حقق نجاحا كبيرا ومن ثم توالت نجاحات بيتر ميمي، في" كلبش 2" و "كلبش3"، ثم "الأختيار 1"، والذي تناول قصة البطل الشهيد أحمد منسي، وأبطال موقعة البرث، وعلى غرار هذا النجاح يقدم بيتر هذا العام الأختيار 2، والذي كان محور أحداثه اغتيال الضابط محمد مبروك، الضابط بالأمن الوطنى على يد مجموعه من الإرهابيين .
بدأ المسلسل بأحداث سريعة متتالية تمهد لثأر يتربى في قلوب العناصر الارهابية ضد محمد مبروك، الذي جسد دوره الفنان إياد نصار، ولكن سرعان ما تم اغتيال هذا البطل الذي هو محور الحدث لينقلب الحال رأسا على عقب .
ليفاجئ بيتر ميمي جمهوره بصور محمد مبروك بديكور العمل بدلا من صور الممثل المؤدى (إياد نصار)، وتكرر ذلك الفعل على مدار حلقات المسلسل، لنجد وضع صور الأبطال الحقيقيين بدلا من الممثلين، ليفاجئ بيتر ميمي جمهوره بالصور الحقيقية لـ محمد مبروك، بديكور العمل ما قد يصيبك بالغربه والارتباك هل محمد مبروك كان زوجا لـ بشرى ؟ أم ان إياد نصار كان يجسد دورا آخر؟! وهنا يجب أن نتسأل إن كنا سنرى صور الشهيد الحقيقي ما الداعي من تجسيد اياد نصار للدور؟! ومن هنا تتوالى المفاجأت الغير ساره من المخرج للمشاهد فلم يكن محمد مبروك الشهيد الوحيد الذي وضع بيتر صورته بدلا من صورة الممثل المؤدى للدور، فقد كرر هذا مع كل الشهداء المذكور اسمهم والذي لم يعرض اصلا مشاهد استشهادهم واكتفى بذكر الاسماء والصور الحقيقية للشهداء فلم نعد نعلم اي من الممثلين الذين اختفوا من العمل هو المقصود واي الأدوار كان يجسد ؟ ولو كان الغرض هو التوثيق لتكريم هؤلاء الابطال فكان من الممكن ان يضع صورهم في فواصل سوداء مثلما فعل في الجزء الاول وليس بوضع الصورة داخل المشاهد التمثيلية تغريب كبير صنعه المخرج ولا أظن انه ذلك التغريب البريختي المقصود لأنه لم يجعلنا نعي أن هذا عمل درامي بقدر ما افقدنا الفهم والتسلسل للأحداث.
وقد تنتظر حدث تمهد له الأحداث لعدة حلقات وإذ فجاءة تجد أن هذا الحدث فيما لا يتعدى ال 5 ثواني، مثل مقتل همام ذلك الإرهابي الذي انتظر المشاهد أن يرى كيف تم قتله لقاء ما فعله في الأبرياء، ولكن نفاجأ ان بيتر ميمي جعل مشهد قتله مظلم ولا يتعدى 5 ثواني، ليهدم افق توقع المتلقي بكل ما أوتي من قوة، ايضا قيامه بعرض لقطات حقيقة مأخوذه من كاميرات مراقبة، وصور شهداء الحدث الحقييقين بحيث لا يمكنك تحديد اي هؤلاء الممثلين سيختفى ويفترض انه قتل في هذه المأموريه وهل كان كل هذا التمهيد الدرامي لكي ارى بضع ثواني غير مفهومه تعرض على الشاشة ؟
ولأن الاحداث سابقة لأحداث الاختيار 1 فكان ولابد من محاولة للربط بين الحدث في المسلسل الجزء الاول والجزء الثاني وهو ما لم يجيد بيتر فعله ابدا، فها نحن نرى إسلام جمال والذى جسد فى الجزء الأول الشاب الثورى الذي يكره الاخوان ولا يترك مظاهرة او حراك ثوري ضدهم إلا كان مشاركا به، لنجده في الجزء الثاني في شخصية مختلفة ومعتصم في رابعه بل انه من اخطر العناصر الارهابيه وليس متظاهرا سلميا، ايضا إياد نصار والذي جسد شخصية المقدم مبروك، الضابط بالأمن الوطني، في الجزء الثاني، بالرغم من أنه جسد شخصية الرائد ابراهيم في سلاح المظلات في الاختيار 1، وكأن بيتر ميمي أراد مكافأة اياد نصار على عمله بالجزء الأول فأعداه رتبة أعلى ولكن في جهاز امني اخر، بالطبع لا يمكن نكران موهبة وجهد إياد نصار في تجسيده لكلا الشخصيتين وخاصة الشهيد مبروك الذي أثار تعاطف المشاهدين معه، ولكن ذلك اللبس في كثير من الأحيان لا يكون في صالح الممثل ويفقده المصداقية لدى المشاهد.
لم تنجح محاولة المخرج لاستخدام المنهج الرمزي، حيث حاول الزج بأسماء للمقاهي واللافتات التي تظهر في الخلفية بشكل مبالغ فيه حتى خرجت من الإشارة للتصريح، لتغيب عنها الرمزيه والدراما ايضا.
لايمكن ان ننكر انه قد نجح في اختيار ابطال العمل كريم عبد العزيز واحمد مكي، فهما بطلان يتمتعان بشعبية عالية ما أعطى للشخصيات جماهيرية تجعلك تتعلق بهم، ولا شك انه توثيق تاريخي وتوقيت ناجح ولكن لايمكن وصف الأختيار2 بالعمل الدرامي فكان من الممكن ان يجعل بيتر ميمي هذه الأحداث فى فيلم وثائقي لمدة ساعتين او ثلاثة افضل بكثير من يطلق عليه اسم ( مسلسل ) وهو لا يمتلك تلك الصفة الدرامية، لا انكر تعاطفى مع الأحداث وحبى لمعرفتها ولكن كأحداث تاريخية قد عشناها ولم نعلم كواليسها ولكن لم اتابعه كعمل فنى ولا اعترف به ضمن السباق الرمضاني .
أما عن الموسيقى التصويرية للعمل فقد قدم خالد الكمار موسيقى عذبة سريعا ما تتسلل لعواطفك وذهنك وتردد على آذانك طوال اليوم باستخدام الناي والعود لينجح الكمار في الوصول للمطلوب .
وقد نجح بيتر ميمي في صناعة الصورة ايضا بشكل كبير واستخدام الكادرات الواسعه في المعارك و(close ) في تصوير التحقيقات ومشاهد المواجهات ليجذب المشاهد عاطفيا داخل العمل، ويحسب له اختيار الممثلين التي تتطابق ملامحهم مع الشخصيات الحقيقية، وظهور عدد كبير من الممثلين في المسلسل بجزئيه، وايضا ظهور معظم الممثلين سواء الوجوه الجديدة او الممثلين المخضرمين، بامكانيات تمثيلية كبيرة تستحق التقدير والإشادة.
ومع هذا النجاح للموسيقى والتصوير، والأداء التمثيلي، إلا انه لا يمكن الاعتراف بتواجد الاختيار داخل السباق الرمضاني كعمل درامي مع كامل الشكر للمخرج بيتر ميمي لمجهوده في توثيق الاحداث، ولكن نتمنى ابتعاد الاختيار 3 عن سباق رمضان 2022، لضمان نسب مشاهدة كبيرة، فهو حقق الشعبية المطلوبة، والتي تضمن له نسب مشاهدة عالية في اي وقت يتم عرضه فيه غير مشروطاً بالتواجد في السباق الرمضاني.
