كتبت: ياسمينا خالد
قدمت كلية تجارة جامعة بورسعيد، العرض المسرحي "مهاجر بريسبان" تأليف جورج شحادة، وهي من إخراج محمد الملكي .
يتناول
العرض قضايا المجتمع المعاصر الفساد الأخلاقي، عندما تتم المساومة بين المال
والشرف، خاصه شرف المرأة والذي يعد الأسهل في تحطيمها، بسبب المجتمع
الذكوري والذي يعتبرها الكائن الأضعف داخل المجتمع، حيث نرى المهاجر
بريسبان، يصل إلى قريته باحثا عن ابنه ليترك له كل ثروته تكفيراً عن ذنبه ولكن في
هذه القرية لا توجد امرأه تربي ابن بدون زوج فكلهن متزوجات ولديهن عدد كبير من الأبناء، ما يعني تهمة شرف تلاحق كافة نساء القرية.
تبدأ
المسرحية برقصة أدائية قوية و حركات عنيفة، تعبر عن الذنوب التي وقع فيها الإنسان،
مصحوبة بمونولوج تضرع إلى الله و المسيح للغفران، ليظهر المخرج الجانب الديني داخل
المسرحية. وفي خلفية المسرح شبكة بها عرائس معلقة و التي تدل علي تحكم الشيطان بأهل
القرية و استخدامهم كالدمية في يديه.
يثور الأزواج على
اتهام الشرف الذي يلاحق زوجاتهم، ولكن بعد معرفتهم بالثروة الهائلة التي رصدها
المهاجر لإبنه بدأوا في اقناع زوجاتهم بادعاءهم الخيانة من أجل الحصول على المال
ومن هنا حلت القيمة المادية محل القيمة الاخلاقية، كما أضاف المخرج أحد مشاكل العصر ومنها الاغتصاب
والتحرش وتصوير الرجل في الحيوان المفترس في أحد المشاهد حيث تصوير الرجل في صورة
الذئب المفترس وأن المرأة ليس لها دور في المجتمع إلا معاشرة الرجل كالمغتصبين و
انتهاك اجسادهن فهنا أشار المخرج إلى أنها
افكار المجتمع بأكمله وسلط الضوء عليه حتى في مشهد آخر عندما حاولت المرأة رفض طلب
زوجها ، محاولة الانتصار لشرفها وكرامتها، فقام الزوج بقتلها بالحبال شنقا، فتلك الحبال رمزا لفكر المجتمع بأكمله
وليس فكر رجل واحد و تعبر عن الوحشية السائدة في المجتمع .
جاء الديكور، معبرًا عن افكار العرض، لنجد السلالم المتحركة مغطاة بالدماء و كأنها نزيف من العين المرسومة أعلى السلم، و هي تعد رمزا للقهر و سيل الدماء علي يد المجتمع الذكوري والذي يريد الوصول إلى رغابتهم و اهدافهم سريعا وبأي ثمن. بالإضافة إلى الشجرة التي كانت في منتصف المسرح و التي تعد مصدر الأحداث فالمهاجر توفي عندها و بعد ذلك تم تعليق صورته عليها لتتعرف إحدى النساء عليه، فلولا موت المهاجر في تلك القرية لم تظهر معاناة المرأة و لو بعد ألف سنة، فتلك الصورة قد انعكست علي الديكور، فنرى الشجرة المثمرة مرسومة على شكل جسد امرأة مع اظهار معاناتها.
كان هناك اعتماد على الاكسسوار بشكل كبير، باستخدام العربة أثناء العرض لتكون بمثابة القبر لكل من يدخل بها سواء المهاجر أو البنت التي تم اغتصابها.
اما الاضاءة فكانت تتراوح
بين لونين الأحمر رمزا للدم و الأزرق يرمز
إلى التحول، ففي المشاهد الأخيرة تم المزج بين اللونين، لتوضيح الصراع المستمر بين
الفساد الأخلاقي و القيم الانسانية.
جاءت الملابس في صورة محايدة فلم تكن ذات دلالة عن مكان او زمان لتلك الأحداث المسرحية، مايمكن اعتباره اسقاط على ان العرض يتناول قضايا موجودة في كل زمان ومكان.
العرض غني بالأفكار، ويعد من نقاط قوة العرض الأداء الحركي، الذي كان ينقلنا إلى الحالة الدرامية للحدث ولكن طرحه للأفكار لا يكفي، لنجد من أهم نقاط الضعف في العرض أحد العناصر الأساسية للمسرحية ألا وهي اللغة والتي كانت تحتاج إلى الاعتناء الشديد والتدريب من حيث مخارج الألفاظ واستخدام النحو لها وخاصة مع الانفعالات، لنجد أنفسنا أمام صور متحركة تفتقد للكلام المفهوم، ما أعطى للعرض رتابة و ملل، وأيضا صوت منخفض ما أدى إلى فقدان التواصل بين الممثل والمتلقي.
عن
الأداء التمثيلي.. فقد كان هناك حالة من الانضباط التي يمكن رؤيتها حتى مع فقد
عنصر اللغة، ونجح محمد الملكي في تشكيل
صورة رائعة توضح هدف المسرحية وفهمها من خلال الصورة البصرية.
يخلص
قولنا إلى ان العرض يحتوي على العديد من القضايا المنتشرة في المجتمع و بحاجة إلى تسليط
الضوء عليها، ويجدر الإشارة إلى ان هناك مجهود واضح و بشدة في الرقصات و انضباط حركات
الممثلين، فقد حقق العرض صور رائعة وافكار
هامة ومثيرة للاهتمام، ولكنه لم يحقق
المتعة للمشاهد.
