كتبت: مروة أحمد
هل تكون الحياة مُنصفة حقًا إذا سارت كما نخطط لها؟! نحب ونلهو ونسير فى دروبها مطمئنين؟ أم أن الحياة هى إختبار وإختيار فتُصيبنا فى النهاية لعنة إختيارنا؟
هكذا هى الحياة ملغزة ومعقدة عصية على الفهم فى أوقات كثيرة، ولكن يبقى المعنى فى تلك الحياة .. كلمة وحيدة تثير فينا الأمل والسعي من أجل الوصول، تلك الكلمة هي الحب، فقد يولد الحب بكلمة واحدة ولكنه لا يمكن أبدًا أن يموت بكلمة واحدة، تلك الكلمة التي تضيئ قلوب المحبين دهرًا كاملًا ونورها يتلالأ كـثُريا معلقة فى السماء.
تدور أحداث العرض المسرحى"سالب واحد" الذى قُدم ضمن عروض مهرجان إبداع، بموسمه التاسع على خشبة مسرح وزارة الشباب والرياضة، تمثيل فريق المعهد العالي للفنون المسرحية بأكاديمة الفنون، تأليف محمد عادل، وإخراج عبدالله صابر، حول كلمة وحيدة تضع الجميع فى محنة كبيرة، حيث أن قبول الآخر بكل ما لديه من إختلاف لا يحتاج سوى كلمة حب وحيدة هى الطريق الوحيدة للنفاذ إلى قلبه، وهذا ما يجهله الأب الذى وجد نفسه أمام ابن من ذوى الإعاقة لا يفهمه ولا يستطيع الوصول إليه، يكره حياته ويكرهه، يظن أن حياته سارت فى طريق مظلم، فلم تكن تلك آماله، إنه يريدًا ولدًا صحيحًا يحمل اسمه ويكمل مسيرته.
تضع دراما العرض المجتمع بأسره أمام قضية مهمة وهى إمكانية تقبل ذوي الإعاقات المختلفة، بإعتبارهم أرواحًا تشعر وتعي جيدًا ما يدور حولها، فإذا كانت ثقافة المجتمع ترفض الآخر تنهره وتوبخه وتجعله مصدرًا سخيًا للتنمر والضحك واللهو، إلا أن الفنون بأشكالها المختلفة حاولت أن تكون صوت الآخر بكل ما يختلج فى نفسه، وهو ما يتناوله العرض حيث تنكشف الحقيقة فى النهاية ونجد أن صوت الراوى ما كان سوى صوت ذلك الإبن الذى لايستطيع أن يصرخ بملئ قوته ليؤكد على إنسانيته التى أحاطتها أسوار الإعاقة بالصمت وأسوار المجتمع المعيق دائمًا، وبالرغم من الحوار الذي اتسم بالمباشرة والسذاجة فى مشاهد معينة إلا أن أهمية القضية يمُكنها أن تجعل المتفرج يتخطى ذلك المآخذ وخاصة فى المشاهد التى اتسمت بالتراجيديا التى عبرت بقوة عن مأساة تلك الفئة من المجتمع التى تتعرض للإقصاء دائمًا.
كان حضور الموسيقى الحية وهي تأليف وألحان أحمد حسنى، والتى تخللت العرض حضوراً قويًا للغاية، لتعد من أهم عناصر قوة العرض، حيث استطاع كل من عازف التشيلو حمدى سامح، وبيانو ديفيد سمير، أن ينفذا إلى وجدان المتفرج وخاصة مع مشاهد الأم المكلومة المغلوبة على أمرها، كما أن الدويتو الذى قدمه أحمد حسنى ونادين عامر، عبر بشكل واضح عن معاناة تلك الفئة وكذلك خاتمة العرض بأغنية وحدى لنادين عامر، أوجزت الكثير من القول.
جاء تصميم الإضاءة لياسمين هانى، مناسبًا لأجواء العرض حيث تخللت بعض المشاهد الإنارة الخافتة لتعبر عن خفوت حضور تلك الفئة فى المجتمع، كما كانت هناك بعض الظلمة التى تخللت مشاهد الأب الذى قام بدوره مصطفى رشدى، لتعبر عن الجانب المظلم فى شخصيته حيث لم يكن أبًا محبًا لابنه بل يكرهه ويظنه هو من ألقى بالظلمة على حياته المستقرة، بالرغم من سعيه وراء علاجه بكافة الوسائل المعتادة من مدرس لا يفقه شيئًا ودجالاً وطبيب نفسيًا، ولكنه كان يجهل أن السر يكمن فى تقبل ابنه وإغراقه بحبه.
أما الأداء التمثيلى لكل من الأم لـ عزة حسن، كان قويًا ولافتًا فى كثير من المشاهد وخاصة مشاهدها الأخيرة من العرض حيث صراعها مع الأب الذى ينكر الحياة لأبنه، ويأبى أن يعيشا معًا تحت سقفًا واحدًا ثم موتهًا حزنًا لفراق ابنها، أما الأب الذى قام بدوره مصطفى رشدى، فاستطاع أن ينتقل من حالة النكران والجحود والسعى وراء أن يكون ابنه كسائر الأطفال بشتى الطرق القاسية إلى الهزيمة والإستسلام ثم لحظات النهاية التى تتكشف فيها الحقيقة التى كان يتعمد إخفائها وخاصة بعد موت زوجته، وهى أن علاقته مع ابنه لا تستوى إلا بكلمة واحدة وهى الحب.
تضافرت كل من أزياء نوران شيمى، ومكياج روضة مرجان، لإظهار جماليات العرض حيث ساعدت على ظهور الشخصيات كما ينبغى لها، وإن كانت ملابس الدجال غير ملائمة للشكل المعتاد، كذلك إستعراضات مى رزيق، كانت عنصرًا جيدًا تخلل دراما العرض بخفة ورشاقة، خاصة الإستعراض الأخير الذي اتسم بالتناغم بين الراوى يار المليجى، والابن أحمد عباس، الذي استثمر كل طاقاته وقدراته التمثيلية فى نقل صورة سخية واضحة عن الطفل المعاق شكلاً ومضمونًا.
يؤخذ على العرض تصميم الديكور بقطع غير مناسبة لحركة الممثلين، حيث صعوبة الدخول والخروج إلى خشبة المسرح، حتى أن بعضهم كان يصطدم ببعض القطع أثناء خروجه من المسرح، وبالرغم من أن قطع الديكور جاءت كثيرة ومتناثرة فى كل مكان وتشوبهنا بعض العشوائية إلا أنها أوحت بتخبط شخصيات العرض فى قبول تلك الفئة المهمشة حيث كانت هناك دائمًا المراوغة فى الإعتراف بحبه أو كره هذا الأبن الذى يشكل عبئًا ثقيلًا على أسرته.
كما يؤخذ على العرض تأخر موعد العرض لساعتين كاملتين دون إبداء أى أسباب أو التنويه قبل العرض، وهو ما اصبح معتاداً للعروض المشاركة في مهرجان ابداع لهذا الموسم، فلا يتم التنويه من صناع العرض او من ادارة المهرجان عن تأخر العروض عن موعدها الأصلي في جدول المسابقة.
بالإضافة إلى أن الحوار كان نقطة ضعف قوية وخاصة صوت الراوى الذى كان يحتاج إلى تعمق وتأمل فى جوهر المشكلة وخاصة أن الصوت المباشر كان مٌخلاً فى العديد من المشاهد حتى أنها كانت لا تتناسب مع إيقاع العرض بشكل عام.
لتأتي الرؤية الإخراجية لـ عبدالله صابر، حاملة صورة مسرحية تريد البوح بما تحمله من أفكار، إلا انها كانت بحاجة للتوازن بين العناصر لتظهر بشكل متكامل.
وختامًا يمكن القول بأننا أمام عرض يستحق الإشادة بالجماليات التي تحلى بها جماليات العرض من إضاءة، إستعراضات، موسيقى، وأداء تمثيلي مميز، إلا
