العقد..مكافأة المحبين

 

كتبت: دعاء سمير

المسرح والحياة وجهان لعملة واحدة...ففي المسرح نجد المشاهد الحياتية مُعاشة على خشبة المسرح، وفى الواقع نجد المشاهد المسرحية يتم تمثيلها باختلاف الزمن والموقف.

هذا ما نجده عند (إدواردو دى فيليبو) المؤلف الإيطالي، صاحب عرض (العقد) فمن خلال مسرحه استطاع أن يكشف التغييرات والنوازع الداخلية والفكرية لمدينة نابولي، والبحث فى كل ثنايا الروح بإعادة صياغة الأشياء وتمثيلها على خشبة المسرح من جديد، ومن تلك النقطة انطلق العرض المسرحي (العقد) الذى قُدم ضمن فعاليات مهرجان إبداع بموسمه التاسع، بدعم من وزارة الشباب والرياضة، تمثيل فرقة كلية الهندسة، جامعة عين شمس، من إعداد وبطولة سعيد سالمان، وإخراج أحمد محمد على .

فمنذ اللحظة الأولى للعرض تم دمج الخشبة بالجمهور من خلال دخول شخصية (جيرونتا) من صالة الجمهور وكسر الإيهام وكأنه يحاكى الواقع ونحن المشاركين فيه، فكان المشهد الأول هو حجر الأساس لبناء المسرحية من خلال جيرولدا..وهو شخص يبرم عقداً مع من يجد المحبة بداخله لأصدقائه و أقاربه وبحبه الآخرين، وهذا العقد مقابل بعثه للحياة مرة أخرى بعد موته، وكان (ازيدورو) الذى جسده الممثل محمد مؤمن هو أول شخص طبق جيرونتا معه هذا العقد، فهو شخصية مركبة على الرغم من كونه لص يّدعى القداسة إلا انه عادل ويريد أن يعم الحب وينال البشر مايستحقونه.

فالحب هو الفلسفة التي ادخلها العرض على النص الأصلي والذى تحدث به جيرونتا، مقابل العقد كجائزة يتوج بها صاحبها، والتي اكدت عليها بعض الجمل الحوارية ل جيرونتا مثل " لا يمكن أن تعيش من الاساس بدون آخرين..آخرين يحبونك " ، هذا بجانب الفلسفة الخاصة بفيليبو الكاتب الأصلي للنص، والتي دمج فيها إيطاليا نفسها بالشمس المشرقة والبحر الأزرق .



نجد البطل الأساسي بالمسرحية ليس جيرونتا فحسب ، وإنما ذلك الحشد البشرى الممثل من فئات متنوعة يجمع بينهم عامل الغش والكذب والنفاق، منها على سبيل المثال شخصية سيلفيا التي أدتها نشوى كمال، تلك الزوجة التي تبحث عن ميراثها بعد وفاة زوجها، وأيضاً شخصية لنشانو المحامي والتى أداها محمد إسماعيل، فيستخدم لنشانو وظيفته ويكسب منها بالدفاع فى قضايا الرشوة والسرقة كل هذا يشكل لائحة اتهام لهذا المجتمع بشكل عام ضد نماذجه المتواجدة فى نسيجه وفضائه والتي سدت منافذ الشمس وضوئها بالغش وشراهة السرقة، ما يؤكد ذلك هو المشهد الثالث والأخير بالعرض والذى بلغت فيه الأحداث ذروتها ، نراه وكأنه بانوراما كاملة رسُم فيها كل الحشد من المدعوين وهم منكبين على انتزاع الليمون والبرتقال من السلال وهو ما يتنافى مع حالة التحضر التي يتصنعونها والبدل الرسمية التي ارتدوها وكل منهم يكدس أمامه الدجاج و البط والديوك الرومية .

وتمكن أحمد محمد على، مخرج العرض من تطويع أدواته وأظهر رؤيته بشكل سلس وناضج وهذا ما رأه المتلقى من خلال الصورة البصرية ، فسينوغرافيا العرض ساهمت فى خدمة الفكرة ، فنجد الديكور ساعد بشكل كبير فى وصف شخصية جيررنتا كونه الممثل لليد العليا من خلال وجود الكرسي الذى يشبه عرش الملك في أعلى نقطة من خشبة المسرح .


ولعبت إضاءة محمود جراتسى، دوراً كبيراً فى توضيح الجو العام للمسرحية والذى عبر عن الريف الإيطالي، وجاءت ملابس هاجر كمال، لتكمل تلك الصورة فتنوعت جميع الملابس بين اللون البنى بجميع درجاته ليعبر عن الجو العام للريف الإيطالي وفى نفس الوقت دلالة هذا اللون هي الصفات الذميمة التي تلونت بها جميع الشخصيات، بالإضافة إلى موسيقى عمرو عفيفي، التي كانت بمثابة مكمل سمعي منها موسيقى المشهد الأول التي وضعت الجمهور فى حالة ترقب للحدث القادم، وأيضاً موسيقى مشهد إحياء جيرونتا لمتوفى فكان المؤثر الصوتي عبارة عن نباح كلب دلالة على استحضار طقس الموت حيث ارتبط قديماً عواء الكلب بالموت وكأنه مشهد جنائزي.



وعن الأداء التمثيلي...أدى كل ممثل دوره بوعى تام دلّ عن مجهود ودراسة لأبعاد الشخصية، وعلى رأسهم الأداء الجسدي لسعيد سالمان (جيرونتا) وتكوينه الجسدي فى شكل انحناءة ظهره ومشيته وكأنه حقاً رجل عجوز، ولكن التعليق الوحيد هو اللغة العربية الفصحى التي استخدمها الممثلون فلم تكن متقنة بشكل واضح وأيضاً مخارج الكلمات لم تكن واضحة للمتلقي بشكل كافي .

وفى النهاية...يمكن القول أن عرض (العقد) كان وجبة دسمة وغنية بكافة عناصرها التي تضافرت جميعها بشكل جيد جداً، ماينم عن المجهود الواضح لكل فريق العمل .