ملوك جدعنة القاع


كتب : عبدالله شاهر 

تتأكد مقولة "لقد وصلنا إلى القاع" لما يطرأ على المجتمع من تغييرات وسلوكيات، تعمل على تحول المجتمع شيئا فشيء إلى مجتمع همجي متأخر، وأيضا تتأكد هذه المقولة لمن يتابع مسلسل "ملوك الجدعنة" حلقة بعد حلقة، ليصل بنا العمل إلى تصوير القاع الذي وصل له المجتمع وان هناك ملوك جدعنة لهذا القاع، العمل بطولة مصطفى شعبان وعمرو سعد، سيناريو وحوار عبير سليمان وأمين جمال،  واخراج احمد خالد موسي.

تدور القصة حول سفينة "مصطفى شعبان"، وسرية "عمرو سعد"،  وهما أصحاب تواجههما مصاعب ومعوقات كثيرة في الحياة ولكنهما يتغلبان عليها عن طريق قوتهما الجسدية، الشعارات الشعبية، الألفاظ البذيئة، والتدخين الذي هو علامة مسجلة قبل قيامهما بأي شجار وبعد انتصارهما فيه.

يستطيع المشاهد بعد مرور ١٢ حلقة من المسلسل، أن يستنتج أننا أمام عمل بمثابة توليفة لقصص مكررة ولكن بشخصيات مختلفة، لنجد قصة الشاب المظلوم والمضطهد من كل ممن حوله  والمحاصر بالنكبات والخسائر في الأموال والأنفس، إلى أن تصبح الحياة بالنسبة له غرفة مظلمة يظل محبوسا فيها حتى يخرج وينتقم من الجميع، وهو ما قدمه الفنان مصطفى شعبان في "ايوب"  و "ابوجبل"،




 وبين قصة الشاب الذي تربي في الشارع واصبح مسئولا عن عائلته في سن صغيرة ويحاول ان يتجاسر على صعوبات الشارع ومعوقاته، ودائما هناك شخص منافس له واغني منه يريد الحصول على الفتاة التي يحبها، ووضع العقبات أمامه وإذلاله، ولكنه في النهاية ينتصر وتتغير الأماكن وينتقم، وهو ماقدمه عمرو سعد في "شارع عبدالعزيز"،



 وهي اعمال حققت أعلى نسب مشاهدة، وإن كان الإطار المأساوي الذي امتاز به شعبان قد طغى على المسلسل، لذا فنحن امام دمج  لقصص مكررة ناجحة، وكأنها نقطة ضمان لنجاح المسلسل، وايضا لإكساب المسلسل نسب مشاهدة أعلى، فلنقحم السوشيال وما يشغل روادها في الفترة الحالية، لنجد إضافة حادثة المغتصب الذي كان يصطحب الفتيات لمنزله ويعتدي عليهن ويصورهن، ليصبح هذا المغتصب هو ابن " زاهي العتال" والذي يجسده عمرو عبدالجليل، وهو الرجل الذي تدور الحرب بينه وبين  سفينة وسرية .

ملوك الجدعنة قادر على خلق سرية وسفينة في كل بيت، وانتشار الشجار والعراك بين الأطفال ليتخذ كل طفل اسم الشخصية التي يحبها ويتعامل مع الأخرين بها، بل وتقليد سلوكياتها وتفاصيلها بكل دقة  بداية من قصة الشعر وارتداء السلاسل و ارتداء الملابس وفتحها من منطقة الصدر كمظهر من مظاهر القوة "للبلطجي"، وصولا إلى طريقة الكلام المليئة بالألفاظ البذيئة والخادشة للحياء والكفيلة بأن تحيل صناع العمل للتحقيق، ويشاركهما هذه الألفاظ زاهي العتال "عمرو عبدالجليل"، ولكن لم يكتفي المخرج أحمد خالد موسى، وكاتبا السيناريو والحوار عند هذا الحد من التجاوز، حيث كان من المتوقع أن يكتفي المخرج بمشهد موت "حبيبة" ابنة اخت "سفينة" في المستشفى ومشهد العزاء لها، وهو ما يخدم الدراما ويوصل الحالة الدرامية للجمهور، ولكن المخرج رأي ان مشهد غسل الطفلة وتكفينها يمكن أن يستدر عاطفة الجمهور بشكل أكبر، حتى وإن لم يكن له حاجة درامية، ولكن على عكس ما توقعه موسى فقد  كسب استنكار ورفض لما تم تصويره، لا يوجد مبرر لمثل هذا التجاوز، لاشك أن الجرأة الفنية مطلوبة ولكن هناك خيط رفيع بين الجرأة الفنية وبين التعدي على الذوق العام، وحقوق الطفل باسم الفن والدراما، وهو ما يستوجب تدخل مؤسسات حقوق الطفل، وتدخل المجلس الأعلى للإعلام لمنع عرض مثل هذه المشاهد على القنوات المصرية.

بالرغم من مساوىء العمل حتى الآن، إلا انه لا يمكن إنكار ان مصطفى شعبان وعمرو سعد وعمرو عبد الجليل، من الممثلين الذين يكسبون اي عمل فني ثقل وقوة فنية، بالإضافة إلى أن المخرج احمد خالد موسى، من المخرجين المميزين ويتسم بصورة تعطيه بصمة خاصة به، وهو مايجعلنا نأسف على أن تلك السقطة تأتي ضمن الاعمال الفنية لهذا التجمع المميز.

يمكن أن نلخص القول بأن مسلسل " ملوك الجدعنة"  ينضم لسلسلة الأعمال التي تعبر عن مجتمع يقبع في القاع فنيا ولا أمل له في الارتقاء، بداية من عبده موته والألمان والأسطورة، لنصل الآن إلى"ملوك جدعنة القاع".