الطاووس ... رب ضارة نافعة

 

 


كتبت : دعاء سمير

اعتادت الأعمال الفنية على مناقشة القضايا الإجتماعية التي تشغل الجمهور بصورة كبيرة جداً، خاصة إذا كانت قضايا تنتشر في الآونة الأخيرة، مثل التحرش والإغتصاب، وهو ما يتناوله مسلسل "الطاووس"... فمن الطبيعي أن يتسبب تناول مثل هذه القضايا الحساسة فى إثارة الجدل حول العمل، ولكن هل تصل تلك الحساسية إلى حد الإتهام بالإساءة إلى الأسرة المصرية، والتحقيق مع صناع العمل والتهديد بإيقافه ؟!

يعرض مسلسل "الطاووس" ضمن السباق الرمضانى الحالى، وتدور القصة حول فتاة تتعرض للإغتصاب من قبل مجموعة من الشباب من أبناء أكبر رجال الأعمال بالدولة، لتواجه الفتاة الكثير من الصعوبات والمعوقات الإجتماعية والنفوذ المادي ومحاولة سلب الفتاة حقها، العمل بطولة سهر الصايغ، والفنان السورى "جمال سليمان" والذي يجسد دور المحامى الذى يدافع عن قضية الفتاة وبسببها يواجه الكثير من الصعوبات، والفنانة "سهر الصايغ" ومن إخراج "رؤوف عبدالعزيز" .



حاز العمل منذ الحلقة الأولى على إعجاب نسبة كبيرة من المشاهدين، بل وأصبح من المألوف تداول صور منه والإشادة بقدرات فنانيه على مواقع التواصل الإجتماعى، وخاصة عند عرض المشهد الأساسى لأحداث المسلسل وهو "مشهد الإغتصاب"  (والذى لم يعرض أى لقطة خادشة لحياء المشاهد...) 




حيث اكتفى المخرج بتعبيرات وجه أمنية عند اكتشافها لما فعلوه بها، وتركيز الصورة على الدم  الذي لطخ الملاءة البيضاء، وحالتها الجسدية، ما يعني أننا أمام مخرج اهتم بتبعات الحدث وليس تصوير الحدث نفسه، بالرغم من أن حادثة الاغتصاب تستغل في الكثير من الأعمال بشكل فج بغرض زيادة نسبة المشاهدة.

وبالرغم من ذلك، يفاجئنا المجلس الأعلى للإعلام، بقرار بالتحقيق الفورى مع المسؤلين عن انتاج المسلسل، ومع مسؤولى القنوات التى تعرض المسلسل، والسبب " استخدام المسلسل لغة لا تتفق مع القواعد التى أصدرها المجلس، وأن أكواده لا تناسب الأسر المصرية...." طبقاً لـ ( بيان الأعلى للإعلام).

 ما يدفعنا للتساؤل؛ أي أكواد لا تناسب الأسرة المصرية، والمسلسل بالفعل حاز على الإعجاب بسبب أنه اهتم بما يعرض للأسرة المصرية، ليصبح هذا القرار بمثابة قنبلة تم إلقائها, لتنقسم الآراء بين مؤيد ومُعارض، وتبدأ حرب السوشيال ميديا وظهور هاشتاج داعم للمسلسل بعنوان #ادعم_مسلسل_الطاووس، ليحتل المركز الثانى على تويتر، وعلى الجانب الآخر

هاشتاج  #مسلسل_الطاووس_ضد_القيم واحتل المركز السادس بتويتر .



ومن أهم الأسئلة التي يطرحها هذا الموقف، أنه إذا كان حقاً المسلسل ينافى القيم الأخلاقية للأسر المصرية، أين دور الرقابة الفنية التي سمحت بعرضه، ووافقت عليه ؟ أم يمكن  احتسابه تقصيراً من الرقابة  مثل ماحدث مع مسلسل (الملك) للفنان عمرو يوسف، والذى تم وقفه  بعد نزول الإعلان الترويجي له، وجاء الوقف لتشويه التاريخ المصرى وتضليل الحقائق عن شخصية أحمس نفسها طبقا لـ (بيان الأعلى للإعلام)، وعلى نفس الشاكلة أين كان الأعلى للإعلام عندما تم عرض مسلسل " قضية رأى عام " برمضان عام 2007، والذى تناول نفس محتوى مسلسل (الطاووس )، وهى قضية ثلاث شبان احدهم ابن وزير،  يقومون باغتصاب ثلاث نساء (طبيبة وممرضتان) أثناء رجوعهم من العمل من المستشفى. كل هذه الأمور تجعل بيان المجلس الأعلى للإعلام محيراً، هل السبب حقاً ماقيل داخل البيان والذي اثبت المسلسل انه لا يحمل أياً من هذه الاتهامات، أم لأنه يتماس مع احدى القضايا المتدولة في الأونة الأخيرة، والتي كان مرتكبوها ابناء لكبار رجال الأعمال،  بالرغم من نفي صناع العمل ان المسلسل يعرض هذه القضية؟!

ولم يكن هذا هو التماس الوحيد للعمل، أيضاً قيل انه يتشابه مع المسلسل التركى " ماهو ذنب فاطمة جول " والذى تم عرضه عام 2010.

وبالفرض جدلأ في حالة تشابه المسلسل مع قضية ما فى الواقع المصرى، فهناك مقولة راسخة في الدراما تقول " الفن مرآة المجتمع " فلماذا يتم عرض البلطجة والبذائة داخل المسلسلات المصرية ولم يتم وقفها، بحجة انه واقع مُعاش، فلتعرض أيضاً مثل تلك القضايا المجتمعية الهامة كنوع من التقويم والتهذيب لكل من تسول له نفسه بفعل ذلك.

وأخيراً..اليوم منذ عدة ساعات أصدر الأعلى للإعلام قرار بحفظ الشكاوى المقدمة ضد المسلسل واستمرار عرضه، وذلك بعد التحقيق مع مسؤولى الإنتاج عن المسلسل وعدم إثبات أي دليل إدانة، فدائماً وأبداً الكلمة الأخيرة للجمهور،  وتفعيل سلاح "السوشيال ميديا"، الذي اصبح سلاح العصر لينتصر للطرف الأحق فى النهاية، مثلما تم وقف مسلسل "الملك" بعدما امتلأت ساحات مواقع التواصل الاجتماعي بالإحتجاجات، الأن ايضا يتم حفظ الشكاوي بامتلاء ساحات مواقع التواصل الاجتماعي بدعم "الطاووس" والانتصار له، لتتحقق مقولة " رب ضارة نافعة" حيث سنجد انه بنسبة كبيرة سترتفع نسبة المشاهدات للعمل، رغبة من البعض في التأكد مما اثاره الأعلى للإعلام، والبعض الأخر للتحقق من نقاط التماس بين العمل والقضية الشهيرة.

ويظل السؤال هل أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي هي الرقابة على جهاز رقابة الأعمال الفنية؟!