....
كتبت: رانا أبو العلا
عزيزي المؤلف هل فكرت يوما في تغيير مصائر الشخصيات التي تكتبها، أن تجعل من البطل شخصيه ثانوية على هامش القصة بينما تعطي المساحة الأكبر لتلك الشخصية التي لا تفعل سوى مساندة البطل، أو التي تصنع منه بطلاً إذا أردنا الدقة، أم أن جميع الشخصيات تتشابك داخل خيوط الحبكة ولا يمكن تغيير مصائرهم حتى لو اردت ذلك، فماذا لو كان الأبطال يختارون مصائرهم؟ هل ستتغير الكثير من النهايات؟أم أنها محاولة عبثية لن تجدي نفعا وستبقى النهايات محتومة؟
من هنا تنطلق دراما
العرض المسرحي "أحدهم" الذي قدم ضمن فعاليات الموسم التاسع من مهرجان إبداع
على خشبة مسرح وزارة الشباب والرياضة، تمثيل فريق مسرح المعهد العالي للفنون
المسرحية بأكاديمية فنون إسكندرية، تأليف محمد المولي، إخراج محمد عماد.
حيث تكشف دراما العرض من اللحظات الأولى الصراع الذي تتشكل منه أحداث العرض، فنحن أمام كاتب يقوم بتأليف رواية تتصارع شخصياتها حتى تتمكن من تغيير مصيرها الذي طالما وضعه الكاتب ضمن قالب محدد ذو نهاية واحده لا مفر منها، ومن ثم يرى المتلقي صراع الشخصيات التي يكتبها المؤلف تلك الكامنة داخل عقله متجسدة على خشبة المسرح، من خلال ثلاث شخصيات وهم البطل، الفتاة، الشرير.
ثم تظهر شخصية وسرعان ما نكتشف انها الشخصية الهامشية في أي نص أو كما ذكرت عن ذاتها أنها شخصية أحدهم، ومن ثم ينقلنا المولي مؤلف النص إلى الخلفية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وما إلى ذلك، التي تحيا بها شخصية أحدهم في الواقع ليفصح من خلال المشاهد التمثيلية التي تتابع زمنيا عن دور "أحدهم" في الواقع وكيف يصنع حلمه بطلا آخر غيره، وهكذا تستمر دراما العرض في خلق إسقاطات سياسية واجتماعية كـالهجرة غير الشرعية من أجل كسب المال وما يتعرض له أي شاب في أمن الدولة لمجرد أن لديه وجهة نظر خارج الصندوق ورفضه للمألوف، وسرعة تلفيق القضايا بيسر، وسير الجموع خلف الهتافات الخاوية وتصديقها والتصفيق له دون فهم أو مراجعة والتي عبر عنها بخيال المآتة بما يحمله من معنى، وانعكاس التربية على شخصية الفرد وما إلى ذلك، وبالتالي يجد المتلقي ذاته أمام مرآه تعكس له واقعه وكيف أن تركيبة المجتمع تطيح به إلى نهاية واحدة، وهي الهلاك حتى وان رفض هذا وتصدى له بقوته، فقد تكون مجرد شخصيات داخل عقل المؤلف لكنها في حقيقة الأمر ما هي إلا تحايل، والشخصيات هي الحقيقة التي نتعرض لها داخل المجتمع، ولأننا أمام دراما تكشف عن دلالة كل رمز للمتلقي مباشرة دون أن تتركه يُعمل عقله او حتى يطلق العنان لخياله لتأويل ما يراه على خشبة المسرح، جاء مشهد شخصية أحدهم والضابط الذي يسأله عن اسمه ليذكر أنه فلان الفلاني ثم عمره ليحدثه قائلا أنه الشاب والكهل والطفل، وأخيرا يسأله عن عنوانه ليذكر ان عنوانه الشارع الذي يسكن فيه ...إلخ، فقد تكون دراما العرض جاءت لتحمل الكثير من الأفكار الفلسفية من خلال نسج حبكة مبتكرة، لكن يبدو أن مؤلف النص اختار الطريق المباشر الذي يكشف معاني ودلالات للمتلقي دون عناء.
تأرجحت لغة العرض
بين الفصحى التي بدأ بها الأحداث ثم استخدم اللغة العامية الدارجة التي استمر استخدامها
حتى نهاية العرض، ولأن ما يمكن الاستغناء عنه يجب الاستغناء عنه، فلم يكن هناك داعي
لاستخدام اللغة الفصحى في مشهد الافتتاح طالما ستستمر الأحداث باللغة الدارجة فقد بدا
استخدام الفصحى كاستعراض للمهارة اللغوية واللعب بالجمل الحوارية ليس إلا.
عن المعادل البصري للعرض فنجد أن سينوغرافيا العرض تسير على نفس النهج المباشر في صنع دلالات واضحة المعنى والذي يبدو أن صناع العرض احتموا به كمنطقة امان، ليظهر العرض كوحدة واحدة وكأن المخرج محمد عماد، أراد ان يشرح تفاصيل العرض للمتلقي على طبق من ذهب، بداية من ديكور أنوار جمعه، الذي احتل وسط عمق المسرح بقطع ديكور ثابته تمثل مكتب وبعض اللوحات العالقة لأجزاء من نصوص وروايات كرمز نمطي لشكل المكتب الذي يحيا به الكاتب، تاركا المساحة الأكبر للأداء التمثيلي، وتأتي إضاءة عز حلمي لتسهم في خلق الأجواء بما يتفق مع حالة المشهد كـاستخدام الأزرق ممزوجا بالأبيض كرمز للعمق و البحر، واللون الأحمر في مشهد أمن الدولة الذي يعبر عن الدموية والعنف وهكذا، فيمكننا القول ان حلمي تمكن من خلال اللعب بألوان الإضاءة بمكان المشهد وزمنه دون الحاجة إلى استخدام قطع الديكور، خاصة مع وجود مجموعة من الممثلين الذين تمكنوا من استخدام أجسادهم في صنع أشكال ساهمت في اكتمال حالة المشهد الذي أراد ان يُعبر عنها مخرج العرض محمد عماد.
هنا
تكمن قدرة الممثلين الأدائية ومهارتهم الحرفية، حيث قدرتهم على التنقل بين المشاهد
واللعب بالشخصيات بتغير الأداء وتعبيرات الوجه وأيضاً نبرة الصوت بما يتفق مع
المشهد بالإضافة إلى الأداء الحركي الذي مال أغلبه إلى السرعة والعنف، فقد فرضت
الدراما الحركية ذاتها في العرض والتي شغلت نصفه تقريبا فكان الاعتماد عليها بصورة
واضحة، وهو ما ساهم في نجاحها محمد صلاح الذي قام بتدريب الممثلين على أداء
الدراما الحركية.
كان من المنطقي أن تأتي الملابس ملائمة للزمن الذي تدور فيه الأحداث وهو الزمن الحاضر حيث
ظهر الممثلون بالملابس العصرية فلم تكن الملابس عنصر مؤثر يلتفت إليه المتلقي كونه أمام ملابس تقليدية اعتاد رؤيتها وارتدائها.
عادة ما تأتي الموسيقى لتساهم في خلق جو ما، وقد
تصبح كـعنصر مهمش وغير مؤثر مطلقا، خاصة مع لجوء البعض إلى وضع مقاطع
موسيقية جاهزة، أما في حالة عرض " أحدهم" فكانت الموسيقى هي أحد أبطال
العرض التي ساهمت إن لم تكن العنصر الجوهري في نجاح العرض المسرحي وظهوره بهذا
الشكل، فقام محمد قبيل، بتأليف مقطوعة موسيقية محترفة وبارعة للعرض، خاصة مع
استخدامه لآلات مختلفة الأصوات بين الآلات الوترية ذات الأصوات الهادئة كـ الكمان
والفيولا، والآلات ذات الإيقاع القوي كـ آلة الكاخون، فقد برع قبيل في خلق مقطوعة
موسيقية ترافق الحدث بالقدر الذي يصنع إطار عام للعرض يتلون كل مشهد به بلون
موسيقي مختلف بما يتفق مع ما يدور على خشبة المسرح.
صحيح أن مخرج العرض
برع كممثل مسرحي لكنه لم يتمكن من تقنين استخدام أدواته بما يحتاج العرض وحسب بل أنه
عمل على استعراض قدرته الإخراجية على خشبة المسرح رغم أنها تنم عن وعيه بالعمل المسرحي
لكن اغلبها جاء كإسهاب دون داعي.
ورغم أن موسيقى العرض كانت المسيطر على المشهد وتغطيه في كثير من الأحيان، لكن الافراط في استخدام الدراما الحركية، ووقوع صناع العرض في فخ المباشرة الفجة، هي أشياء يمكن تداركها وتعديلها حتى يظهر العرض فيما بعد بصورة أفضل وأقرب للكمال الفني، تليق بفريق مسرحي يطوي الكثير من الفكر والابداع.




