مسرح العراق..التمرد على القولبة



كتبت: 
دعاء سمير

إذا نظرنا إلى بدايات المسرحية العراقية لوجدنا أنها تعتمد على التراث فكانت  تصب الحكايات الشعبية والدينية فى قالب مسرحي، وفكرتها دينية لارتباطها بيئياً بالكنائس والمدارس المسيحية.

وعندما تطورت أدوات الكتابة المسرحية صار الكاتب يستلهم التراث ولكن بشكل يمثل الوقت الحاضر ويواكبه، ومن جهة أخرى يتخذ هذا التراث قناعاً يستر به على مجاهرته بالتحريض والتمرد بمقاومة الضغوط التى تمارسها فئة أو سلطة تسلب الحريات وتصادر الحقوق.

" أعطنى مسرحاً وخبزاً، أعطيك شعباً عظيماً.." هى جملة قيلت على لسان أكثر من فنان وتناقلت على مر العصور، فعلى الرغم من الظروف الصعبة التى مرت على العراق من الاستعمار العثمانى والفقر والجهل الذى انتشر فى داخله وآثار مابعد ذلك ، إلا أن تلك الظروف جعلت الشعب العراقى أكثر قوة ووعي .

فكان المسرح بأعلامه ورموزه المعبر الحقيقى عن الآمال والطموحات، ومثلما أراد العراقيون الخروج من عباءة الاحتلال أراد أيضاً رواد المسرح الخروج عن المألوف في المسرح ومن أهم هؤلاء الرواد التى اتحدث عنهم فى المسرح العراقي (حقي الشبلي)، رائد التجديد والتجريب الذي وضع أول خطوات فى الإخراج المسرحي ونهض به من شكله التقليدى القديم إلى أسسه العلمية، فنجد فى إخراجه لمسرحية " يوليوس قيصر" استخدم القاعة كمدخل لدخول قيصر قبل مقتله، فتعمد كسر المألوف فى تقديمه لشخصية قيصر من خلال دخوله فى الممر الوسطى بين الجمهور وصولا إلى خشبة المسرح، وقد أخذ الفكرة عن أستاذه (عزيز عيد) الذي ثبت فى مذكرات زوجته (مديحة رشدى)، أنه ولأول مرة جعل المنصة تمتد إلى خارج حدودها الجغرافية، فكان يهتم بهيئة الشخصية وتأثيرها على أفعالها وليس سلوكها، ما يؤكد انه لم يكن مهتم بالجانب الصورى للعرض بقدر اهتمامه بالأداء الصوتى والأدبى.

وسنجد أن تلميذاً للشبلى وهو (جعفر السعدي) قد فعل الشئ نفسه فى المسرحية نفسها ولكن بإضافة جديدة هى أنه جعل ذلك الممر يربط بين خشبتى المسرح المتقابلتين فبدا موكب تشييع القيصر أكثر مأساوية وحزن وهو يمر من بين المتفرجين.

وكانت النقلة الأساسية فى مسار المسرح العراقى على يد (إبراهيم جلال)، الذى درس السينما فى إيطاليا والمسرح فى أمريكا، فاعتمد تخطيطه فى الإخراج على تفسيره الخاص للنص، فلم يلتزم بنص المؤلف بحذافيزه، فالأساس الثانى له هو المكان الذى يوضح هذا التفسير، ولذلك نجده يركز الأساسيين فى وسط المسرح ويجعل من جانبى المسرح مجرد ممرات إلى الوسط، ففي مسرحية (الطوفان) كانت منصة الحسم وسط المسرح، بينما شكلت جوانبها مجرد مكان للصعود والهروب وبهذا يحيل المشاهد بأن خلف الكواليس قوة دافعة كبيرة تحكم سيطرتها على حركة الشخوص والإضاءة والموسيقى ومنها فرفع (جلال) المسرح العراقى إلى خيال لم يألفه يوماً العرض المسرحى العراقى.

وعلى الرغم من كل ما مر به العراق إلا أن المسرح وفنانوه استطاعوا أن يعبَروا عن المشاكل والأزمات التي واجهتهم، وذلك لأنه في النهاية الفن وعلى وجه التحديد المسرح هو مرآه تعكس روح المجتمعات .