كتبت : هناء حسن
من الصعب أن نتخيل أنه يوجد مكان على وجه الكرة الأرضية بلا مسرح، فالفن هو التعبير عن ما يمر به الإنسان سواء من أحداث يومية، أو مشكلات كبرى يريد مواجهتها وربما حلها في بعض الأحيان، فيحاول الإنسان أن يجد له مخرجا أو متنفسا ليطرح أو يحاور ما يدور بخاطره من أفكار وتساؤلات؛ لذا فدائما هناك طرق لإيجاد شكل من أشكال الأداء للتواصل ومحاولة فهم العالم الأكبر، أو حتى العالم الأصغر المتمثل في داخل الكائن البشري؛ ولكن هل ذلك الكلام ينطبق على دولة تقع تحت الاحتلال مثل فلسطين أم لا؟
دائما ما يرتبط المسرح بالمتغيرات سواء الإجتماعية، أوالإقتصادية ، أو الثقافية، أو السياسية؛ وخاصة تلك الأخيرة التي تؤثر بشكل كبير في مسار المسرح بالسلب أو بالإيجاب، وتعد فلسطين هي المثال على ذلك؛ لما مرت به من تقلبات سياسية وأزمات بدءًا من الإنتداب البريطاني؛ وصولا إلى الإحتلال الإسرائيلي في 1948 ، وبداية تأرجح الشعب الفلسطيني بين الهزيمة والإنتصار، والإنتفاضة تارة والسكون تارة أخرى، هذا ما مر به المسرح الفلسطيني أيضاً من مراحل صعود وهبوط إثر تلك الأزمات السياسية .
أولى محطات إزدهار المسرح في فلسطين جاءت وقت الإنتداب البريطاني، مثله مثل أغلب الدول العربية آنذاك التي كانت تسعى لتكوين شكل مسرحي خاص بكل منها على حدا، مستفيدة بالمسرحيات التي تستقدمها قوات الإنتداب البريطاني، والمسرحيات التي تُعرض في المدارس التبشيرية، كذلك تأثر المسرح الفلسطيني وقتئذ بعروض الفرق المصرية الزائرة مثل "جورج أبيض" و"يوسف وهبي" و"علي الكسار" و"نجيب الريحاني"، وقد أدى ذلك إلى محاولة تكوين هوية مسرحية فلسطينية بجانب المسرحيات المترجمة، المسرحيات المؤلفة، وكان من أبرز أعلام تلك الفترة "جميل البحري"، "خليل بيدس"، "أسمى طوبي"، وكان هناك باع طويل لعائلة "الجوزي"، وفرقة "الجوزي" التي تكونت عام 1936، متمثلة في الأخ الأكبر "صليبا الجوزي" أحد مؤسسي "المنتدى الأدبي في القدس" الذي يقيم حفلات غنائية يتخللها فصول تمثيلية تعالج مشكلات المجتمع الفلسطيني، والأخ الأصغر له هو "نصري الجوزي" والذي نهض بالمسرح المدرسي، وألف بعض المسرحيات مثل "لا أبيعُ أرضي"، و "تراث الأباء"، "شبح الأحرار" ؛ وبذلك فيمكننا القول أن الوعي الثقافي حينها كان يرى الخطر القادم وبوادر نكسة 1948 .
لم يستمر ذلك التطور كثيرا فأدت الأحوال السياسية بطبيعة الحال إلى ركود مسرحي، بل دمرت كل مناحي الحياة الأخرى؛ بسبب تهجير الكثير من الفلسطنيين خارج وطنهم إلى مخيمات اللجوء والمنافي البعيدة، وأصب
حت المحاولات في تلك الفترة تعد شبه مستحيلة لسيطرة سياسة الإحتلال الإسرائيلي، إلى أن جاء عام 1967 واحتلت إسرائيل 78% من الأراضي الفلسطينية، وأصبحت النفوذ الإسرائيلية في إتساع، وبما أن كثرة الضغط يولد الإنفجار؛ فكان مردود ذلك التمرد ومقاومة الأحتلال سواء من قِبل من تبقى في الداخل أو من هم في الخارج فقد ساعد الشتات في خروج كتاب وفنانين درسوا علوم المسرح والأدب في الجامعات والمعاهد المخصصة لذلك في مصر وبغداد، وتعليمهم في بيوت مسرحية مجهزة فتحول المسرح الفلسطيني إلى المهنية والإحتراف من خلال الشغف والوعي الثقافي للدفاع عن القضايا الفلسطينية، كانت نواتها قبل عام واحد من النكسة الثانية ففي عام 1966 عندما رأى الثوار أن الوقت قد حان لتعويض تلك السنوات الضائعة؛ قامت حركة التحرير الفلسطيني الوطني بمبادرة "جمعية المسرح العربي الفلسطيني" وقدمت مسرحيات مثل " شعب لن يموت" تأليف "سعيد المزين" وإخراج "صبري سندس"، ومسرحية "الطريق" تأليف وإخراج "نصر شمّا"؛ ساعد ذلك الجيل الجديد القادم من الشتات في قيام نهضة مسرحية بدايتها مطلع السبعينيات وتشكلت على هيئة فرق مسرحية في جميع أرجاء فلسطين منها مسرح "القصبة"، وفرقة "بلالين" والتي انبثقت منها فرقة "دبابيس" ثم بعد ذلك أصبحت فرقة أو مسرح "الحكواتي" في منتصف الثمانينيات من القرن العشرين، وبرز اسم "فرنسوا أبو سالم" كمؤسس لهذه الفرقة الذي أتى بعلمه من فرنسا وقدم مسرحية "العتمة" والتي تعد من المسرحيات الفارقة حيث ادخل التفاعل الحي والمباشر بين الممثلين والجمهور في تلك المسرحية؛ لذا كان له بعض الإسهامات في تطوير المسرح في فلسطين.