كتبت: نيرة مسعد
الاقتباس من النصوص العالمية هي عادة من عادات المسرح الجامعي، حيث يتم
تقديم منظور جديد لقصة قديمة الأزل وإثارة تساؤلات بشكل مختلف عن النصوص الأصلية،
و بهذه الوسيلة استطاع فريق منتخب جامعة "بنها"، من خلال عرضه المسرحي
"المقطوعة ٥٠١"، المشارك بمهرجان إبداع في دورته التاسعة - والمأخوذ عن نص
"ثورة الموتى" للكاتب الأمريكي "اروين
شو"، والذي رفض من خلاله الحرب رفضاً مطلقاً – ليثير تساؤلًًا قد يبدو ليس جديداً
علينا، و لكنه أبرزه بشكل مختلف وهو: من منا المتحكم بالأخر؟! وهل كلنا وجوهاً لعملة
واحدة؟ أم أننا جميعاً مثل تروس الساعة، صغيرنا يخدم كبيرنا لأجل سبب أكبر يجعل منا
آلات بلا تفكير تسير في نظامٍ واحد؟!!
تدور أحداث العرض حول خمسة من موتي
الحرب يستيقظون بعد الموت، و يأبوا الدفن حتى توقف الحرب التي أودت بحياتهم، وذلك لن يحدث إلا بتوقف
القادة.
يبدأ العرض، بإستعراض يتناول أحداث العرض خلال مستويان على خشبة المسرح، يعرض حاضر هؤلاء الموتى، وهو الموت، وماضيهم المتمثل في حياتهم قبل الموت، ولقائهم بذويهم من زوجة وأم وعائلة.
يعتمد استعراض
البداية على لحن أشبه بلحن الأناشيد الوطنية، وتسير في نظامٍ واحد، الموتى وغيرهم مرتدون أقنعة وملابس موحدة تجعل منهم سواء، بالخلف مستوى أعلى يظهر فيه عازف ساكس منفصل عنهم
حتى ينتهي الاستعراض والعزف معاً.
جاء الحوار مباشرا في بعض الأحيان، ولكنه عمل على خدمة دراما العرض بتضافره
مع الحركة بشكل جيد، مثل مواجهة الموتى بذويهم، ومواجهة الجنرال بالمتحدث بإسم الموتى،
و إن كان هناك ما يؤخذ على الحوار فهو مناطق الحوار الكوميدي حيث كان الحوار بها غير
باعث للكوميديا، بالإضافة إلى مشهد المواجهة بين الموتى و ذويهم الذي ينتهي بمساندة
عائلات الموتى لهم، على الرغم من الحوار الجيد إلا انه كان اطول من اللازم لجعل
الموتى يظهرون علاقتهم بذويهم، ولمعرفة تاريخ كلً منهم، وكان
من الممكن أن يصبح أقصر وأكثر تكثيفاً، ولعل حوار الأم مع الجندي الصغير يعد أقوى أجزاء الحوار في ذلك المشهد، بالإضافة إلى استخدام الأنباء العاجلة للتعليق على الحدث،
والذي كان معبراً عن دور الإعلام في أحداث البلاد، أيضاً حوار الجنرال والكابتن في بداية العرض قبل و عند معرفته باستيقاظ
الموتى فقد ساهم في توضيح تعامل الكوادر بالدولة
مع الأحداث، والذي يوضح التساؤل حول كوننا وجهان لعملة واحدة! فالجنرال يتحكم به النظام
و الجنود هم صفوف أمامية كدرع حماية للجنرال.
من أبرز نقاط قوة الحوار أيضاً يأتي مشهد البار، وهو ذروة الحدث فكان أكثر
المشاهد كثافة وثقلاً دراميًا، ما يجعله أفضل مشهد بالمسرحية، حيث كان يمكن أن تكتب نهاية
العرض المسرحي فيه.
اتسم الأداء التمثيلي بالتفاوت،
فقد كان الأداء جيد من الجميع، ولكن كان هناك بعض الأفعال وردود أفعال غير محسوبة، فقد
تعاملت الشخصيات مع الموتى على أنه أمر طبيعي، كما لو اننا نواجه أمواتاً يستيقظون
كل يوم، فلم يتأثروا أو يخافوا بالقدر المناسب للحادثة القائمة، ويمكن استثناء
الجنود من ذلك فقد كان رد فعلهم ملائم للحدث على عكس باقي الشخصيات. بالإضافة إلى
الصراخ في معظم الأوقات تعبيراً عن الانفعال وهو الأمر الذي نتج عنه ضجيج، كما كان
له تأثير على لغة العرض، فقد اعتمد العرض على اللغة العربية الفصحى والتي كانت بعض
الحروف لا تظهر مع الصراخ كما أنه بشكل عام لم يكن الجميع متمكنون من اللغة بشكل كبير.
جاءت الموسيقى بالعرض عنصر أساسي، خاصة وان اسم العرض "المقطوعة
٥٠١"، حيث ظهر عازف الساكس منذ البداية، و كأنه متحكم بالبشر و ذلك كان جيد، إلا أن طوال العرض جاء صوت الموسيقى أعلى من صوت الممثلين، مما أدى إلى تشتت المتلقي في
سؤاله عما يقال، لتصبح الموسيقى عائقا في وصول الحوار الدرامي بشكل جيد للمتلقي، وعلى الرغم من الاختيارات الجيدة للمقطوعات إلا أن ذلك الصوت العالي أفقدها معناها.
تضافرت عناصر الملابس و الديكور و المكياج ليكونوا صورة جمالية للعرض، فقد جاء ديكور محمد مصطفى، معبرًا عن الأحداث بشكل قوي، من خلال استخدام المستويات بالمسرح لتوضيح من الذي في موضع السيطرة، والفصل بين حاضر الموتى وماضيهم، وأيضاً في مشهد البار ظهر الفصل بين الأمسيات وحياة الأخرين بالحرب، أيضاً العلامة التي كانت بالخلف وبها شعار هتلر وكأنه رفضاً له، أو إذا أمعنا النظر فقد تمثل الصليب والذي يرمز للدماء من أجل التضحية و تكفير الخطايا، وهو ما ترمز له دماء الموتى في العرض، وهنا نجد أن ديكور أحد العناصر البارزة لعروض جامعة بنها للسنة الثانية على التوالي.
وأتمت الملابس الموحدة للجنود وملابس العامة من الشعب مع اختلاف الوان
ملابس الجنود والجنرال والكابتن والشاويش، والمكياج للموتى خاصة الجندي الصغير والندوب و الجروح في جسد الجنرال، كانا عنصران بارزان في الصورة المسرحية .
وأيضاً الإضاءة التي كانت تعمل على الفصل بين الأحداث و الأماكن و
استخدام البؤر في المونولوجات للتأثير كانت ايضاً من العناصر الجيدة.
كان للإخراج آداء متفاوت بالعرض فعلى الرغم من انه استغل
المستويات بشكل جيد جداً، والربط في المشهد الأخير بين الشطرنج وتحريك الجنود وذويهم
حتى انتصر الجنرال كان ذو معنى قوي، إلا أن خطوط الحركة في ذلك المشهد كانت متداخلة
بشكل مشتت حتى إن كان الغرض من ذلك أن الجميع ما هم إلا ذات الشخص مع اختلاف القصص
و يكملون بعضهم، إلا أن في بعض الأحيان كان الممثلين يتخبطون ببعضهم البعض، كما
اتسمت حركة الممثلين على المسرح بالعشوائية المفرطة، ووقوف الممثلين ببؤر الضوء لم تكن منضبطة بشكل جيد، كل ذلك كان قادرا على
تشتيت المتلقي.
أيضا نجد في مشهد البار، أحداث تؤدي إلى فصل المتلقي عما يدور، لنجد الجنرال قد اطلق الرصاص على أحد الموتى وأسقطه أرضا، ثم يقوم ذلك الميت مرة اخرى ليكمل دوره.. ليتساءل واحدا من الجمهور "ازاي تقتل ميت"، ليصبح ذلك الفعل حالة من التندر تفصل المشاهد عن الدراما المقدمة .
ولكن كان للإخراج مواضع متميزة حيث استغلال لحن الساكس مع استعراض
الفتاة وكأنه يتحكم بها وبحريتها، و استخدام الظل في بداية العرض المسرحي للفصل بين
عالم الموتى قبل و بعد الموت، واستغلال الأقنعة للدلالة على ما يثيره العرض من تساؤل كون الجميع وجوه لعملة
واحدة!!! فتلك التقنيات الإخراجية قد اثقلت
من العرض بشكل ما.
ختاما، يجدر القول بأن العرض المسرحي "المقطوعة ٥٠١" لمنتخب
جامعة بنها، وإن كان يفتقر لبعض التقنيات أو الانضباط في الأداءات التمثيلية او التدريب
إلا أنه عرض يفصح عن مجهود يستوجب الإشادة به.
