كتبت : دعاء
سمير
المسرح العراقي، هو أحد المسارح العربية التي بدأت نشاطها فى القرن التاسع عشر، فنجد الآباء المسيحيين قد استمدوا مسرحياتهم من ( الكتاب المقدس ) لغرس قيم التنوير بالتعاليم المسيحية، وقد كانت العلاقات الثقافية قوية بين الكنائس والمدارس المسيحية في الموصل وبين الأوساط المسيحية فى لبنان وروما.
كانت المدارس المسيحية
ترسل بعض رعاياها المتفوقين في بعثات للخارج من أجل الدراسة ثم يعودون بما درسوه
للتدريس داخل المدارس المسيحية .
وعلى
هذا الأساس استمرت محاولات المسرح داخل العراق معتمدة على العلاقات السياسية
والتجارية والفنية، فمنذ أن أصبحت العراق واحدة من دويلات الإمبراطورية العثمانية
وهى على صلة بالفرق المسرحية القادمة من إيطاليا وفرنسا.
على الرغم من كل هذه التدخلات الخارجية هل كانت للعراق الريادة فى صنع مسرح خاص به...؟
فى
الحقيقة أن أول نص عراقى هو (لطيف وخوشابا ) اقتبسه الكاتب (نعوم فتح الله السحار)
من الفرنسية، وتم اعتباره نص عراقي لابتعاده عن المواضيع الدينية، ومن بعد ذلك تم
بناء الحركة المسرحية فى العراق على محورين :
الأول...عند
زيارة فرقة (جورج أبيض) المصرية للعراق عام 1926، ومن خلالها تم رفع مستوى الهواة العراقيين لبناء مسرح متميز .
والمحور
الثانى...هو (حقى شبلى) مؤسس ورائد أول فرقة مسرحية عراقية عام 1927، وهى عبارة عن
مجموعة من الشباب المتطلعين بجانب عدد من الفنانين العرب منهم على سبيل المثال
(عبد النبى محمد)، فكان يجب على أحد أن يجمع شمل الفنانون العراقيون تحت رايه
واحدة .
وشهدت
تلك الفترة ازدهار مسرحي لا مثيل له، حيث زارت فرق عديدة العراق مثل فرقة ( أمين
عطا الله ) المصرية، و (أرطغوليك ) التركية، وفرقة (فاطمة رشدى ) التى قدمت عدداً من المسرحيات تميزت بحسن الإلقاء والفهم العالى لكل شخصية، وعلى إثر تلك الزيارة
تم الاتفاق على أن يسافر (الشبلى) لمصر من أجل التدريب على الجوانب الفنية تحت
إشراف (عزيز عيد)، ثم عاد مرة أخرى للعراق ولكن بسبب دورة تدريبية سافر الشبلى إلى
فرنسا، وظهرت أسماء لامعة وتأسست فرق أخرى ولمع المسرح العراقى.
فى تلك
الأثناء وبسبب الظروف السياسية وهى (الحرب العالمية الثانية) بدأ المسرح بالتعثر
والرجوع وخفتت أنواره خوفا من البطش والرصاص، حتى عام 1939 وعودة (الشبلى) من
فرنسا ليعيد ترميم المسرح العراقي مرة أخرى على الرغم من صعوبة وجود نص جيد.
أسس (الشبلى) قسم التمثيل فى معهد الفنون الجميلة وظهرت بعض النماذج مثل (يوسف العانى) الذي جمع بين التمثيل والتأليف، ليبدأ المسرح العراقى فى الانتشار مرة أخرى.
اهتم المسرح العراقي بأعمال الفنانين
المسرحيين من آسيا وأمريكا اللاتينية حيث قدمت الفرقة القومية للتمثيل التي أسسها
(الشبلى)، في فترة الثمانينات والتي تعد الفترة الذهبية للمسرح العراقى المسرحيات
الشعبية التى استمر عرضها لسنوات وهى ظاهرة غريبة على المسرح العراقي والذى كان
عروضه السابقة لا تستمر أكثر من أسبوع.
ولكن
استمرار الحال من المحال..ففى النصف الأول من التسعينات حدث المتغير الذى سيطر
كلياً على الحركة المسرحية العراقية، والذى أدى بها إلى مغادرة مجموعة كبيرة من
فنانى العراق الرواد والشباب لجميع أنحاء العالم، وهو غزو دولة الكويت عام 1991
وحرب الخليج الثانية، من هنا بدأ المسرح العراقى بإسدال ستائره وتذبذب أداء رواده ،
فتسبب هذا التغيير الجذرى إلى أزمات فكرية وحضارية حاصرت جميع زوايا المسرح.
ومنذ ذلك الوقت وحتى عام 2003 تحديدا (العدوان الأمريكي)، تضاعف الهبوط الفني للمسرح بسبب قلة المسارح فلم يعد مسرح الرشيد صالحاً وهو المسرح الأشهر بالعراق لتعرضه للتخريب وأغلقت المسارح الأخرى وتحولت لورش صناعية ، وضعف الموقف الإعلامى وابتعد النقد الفنى...
وعلى
الرغم من كل ذلك إلا أن فنانوا العراق كافحوا فى ظل هذه الظروف المستحيلة
ومازالوا، فنجد المسرح العراقي دائما على مر تاريخه وعصوره يمر باختبارات شديدة
الصعوبة، ومثلما كانت الظروف السياسية للدولة السبب فى تكوين هوية المسرح العراقى
كانت نفس الظروف هي السبب الأقوى للقضاء على هذا الفن ومازالت المِحن مستمرة حتى
اللحظة الحالية ومازال فنانوا المسرح العراقي في مقاومة لبقاء المسرح العراقي على
قيد الحياة المسرحية.
