كتبت : شيماء الباشا
أثرت
الثورة على تاريخ المسرح التونسي من حيث أهميته و جديته وريادته خاصة في المنطقة
العربية، كان المشهد المسرحي يقبع تحت وطأة السلطة قبل 14 يناير، أي أن السلطة هي
التي تتحكم فيه وتحاول تطويعه من خلال مسألة الدعم العمومي أو من خلال سلطة
الرقابة ومع ذلك كان المسرح التونسي في جزء منه يستشرف الواقع و يحاول طرح القضايا
الأساسية والهامة في طرحه وفي آليات بحثه.
ولعل طفرة الحرية التي ظفر بها المسرح بعد
الثورة مازال الوقت لا يسمح بتقييمها لان الفن الحقيقي على اهمية علاقته
بالواقع لابد له من بعض الوقت لتقييم الواقع و جعله مادة فنية عميقة خارج نسق
الاثارة و(الانتهازية) الفنية.
أما عن المسرح الوطني التونسي:
فله
فضاءان رئيسيّان "قصر المسرح" و قاعة "الفنّ الرّابع"، ومديره
الحالي الفاضل الجعايبي،
المسرح الوطني التّونسي مؤسّسة عموميّة أحدثت سنة 1983 بهدف تنمية المسرح التّونسي
عبر التّكوين والإنتاج والتّوزيع. يتمتّع باستقلالية مادية و تشرف عليه وزارة
الثّقافة، له فضاءان رئيسيّان هما "قصر المسرح" بالحلفاوين و قاعة
"الفنّ الرّابع" بشارع باريس، وسط العاصمة.
قصر المسرح: هو المقرّ الاجتماعيّ للمسرح الوطني التّونسي و هو قصر خزندار، يعود
تشييده إلى القرن التّاسع عشر و كان لمصطفى خزندار، الّذي جمع بين منصبي وكيل
الخزنة و الوزير الأكبر للباي. يقع هذا المعلم ببطحاء الحلفاوين في المدينة
العتيقة، و قد كان هذا الحيّ مسرحا لفنون الفرجة الشّعبيّة في بداية القرن
العشرين.
إضافة
إلى إدارة المسرح الوطني، يضمّ قصر المسرح قاعات للتدريب ومنها قاعة كبرى أنجزت في
حديقة القصر سنة 1994 و تقدم بها عروض مسرح و رقص و سرك و يضم مكتبة للمسرح و
الفنون الحيّة. كذلك به ورشات خياطة و نجارة و حدادة لصنع الملابس و الديكور و
الأكسسوار. هو مكان للإبداع، تنتج فيه الأعمال الحركية للمسرح الوطني و للتكوين و
البحث والتنمية المسرحية.
أحدثت في قصر المسرح بإدارة الفاضل الجعايبي مدرسة (الممثل) و مدرستا (الكاتب) و
(المخرج). تقدم هذه المدارس تكوينا حرفيا معمقا يرتكز على الممارسة الميدانية و
النظرية ومواجهة واقع المسرح لتأهيل الفنانين الشبان ليكتسبوا الحرفة قبل أن
يمارسوا المهنة. كما تهدف إلى المساهمة في تدعيم القيمة الفنية للمسرح التونسي
ليزيد تواجدا في السوق العالمية. أبرم المسرح الوطني شراكات في التكوين مع المدرسة
الوطنية العليا لفنون و تقنيات المسرح بليون، فرنسا و مع المدرسة العليا للسمعي
البصري و السينما بقمرت، تونس.
يعتزم المسرح الوطني بإدارة الفاضل الجعايبي تكوين فرقة "قارة المسرح الوطني
الشاب" تضم ممثلين شبّان ممّن تلقوا تكوينهم بالمسرح الوطني أو من
خرّيجي التعليم العالي المختص يشاركون في أربعة إنتاجات لمدّة سنتين يتزودون
أثناءها بحرفية يستندون إليها في مسيرتهم المهنية.
قاعة "الفنّ الرّابع" أو "سينما باريس" سابقا تم
ترميمها وإعادة تأهيلها وتجهيزها سنة 1993 لتصير قاعة عروض عصرية للفنون الحركية
على شاكلة العلبة الإيطالية تستقبل 370 متفرّجا.
يسعى المسرح الوطني إلى تكوين جمهور عبر استقطاب المتفرجين من ناشئة وطلبة وغيرها
من الفئات ليواكبوا عروض فنية راقية. كما يعمل على توزيع الأعمال المسرحية
والكوريغرافية في جميع أنحاء البلاد بالتعاون مع مراكز الفنون الدرامية وفي الخارج
شرقا وغربا ليلقى المسرح التونسي مزيدا من الإشعاع، الإشعاع الذي يستحقّه.
المسرح
البلدي التونسي:
يقع في شارع الحبيب بورقيبة – أكبر شوارع العاصمة – الذي كان يحمل في عهد
الفرنسيين اسم شارع جول فيري. تم افتتاحه في 20 نوفمبر 1902 وكان يطلق عليه كازينو
تونس البلدي، وكانت السعة الاستيعابية لهذا المسرح 856 شخص، وتم هدمه عام 1909
للزيادة في طاقة استيعابه، وأعيد فتحه في 1911 بطاقة استيعابية تصل الي 1350 شخص،
مقسمة إلى مقاعد أمامية والميزانين والمقصورة والأروقة. وفي عام 2001 تم ترميمه من
جديد في إطار الاحتفال بمئويته.
كان المسرح البلدي في بدايته خاصا بالجاليات الأوربية، والأوساط القريبة من الحكم
آنذاك. لكن مع مرور الزمن، بدأ المسرح ينفتح تدريجيا أمام العامّة وخاصة بعد
الاستقلال حيث عمل المسرحي (على بن عياد) في هذا الاتجاه في أوائل الستينات، إذ
كان مديرا لفرقة مدينة تونس، وقام بجلب الجمهور العريض للمسرح.
المراحل
والتطورات التي مر بها المسرح التونسي:
مع
دولة الاستقلال اتخذ المسرح موقعا هاما في المشهد الثقافي مواصلا بذلك مسارا
مختلفا عما كان في الفترة السابقة سواء من خلال المسرح الهاوي أو من خلال المسرح
المحترف في الفرق العمومية في العاصمة و الجهات أو من خلال المسرح الخاص الذي مثل
نقلة نوعية للمسرح التونسي بواسطة نخبة من الفنانين سواء منهم من تكونوا في
المدرسة التونسية أو من تلقوا تكوينا في الخارج و جاؤوا محملين بأفكار و معارف
جديدة و برؤى مختلفة لفن المسرح .
و إلى
جانب الفرقة البلدية بالعاصمة تكونت عدة فرق محترفة بصفاقس والكاف و
سوسة والقيروان وقفصة ونابل والمهدية وزغوان وبنزرت وهو ما مثل
نقلة في مستوى الإنتاج المسرحي من حيث الكم والكيف وجعله يتماشى مع الواقع التونسي
وقدمت انتاجات عديدة متفاوتة المستوى وساهمت بدرجة كبيرة في إثراء المشهد المسرحي
وتكوين جمهور متابع للحركة المسرحية، وفي سنوات التسعينات تحولت الفرق الجهوية الى
مراكز للفنون الحركية والدرامية في كل من الكاف و قفصة وصفاقس ومدنين والقيروان
لمزيد استقطاب المسرحيين المحترفين وتمكينهم من آلية العمل والإنتاج .
كما
يعد انبعاث المسرح الوطني التونسي سنة 1984 مرحلة هامة من مراحل تاريخ المسرح
التونسي العمومي فبعد اعتماد اللامركزية توجه الاهتمام إلى خلق إطار
عمومي مركزي بطموحات اكبر وإمكانيات أهم خاصة بعد تعثّر الكثير من
الفرق المسرحية التونسية، وتراجع إنتاجها، وكان الهدف من بعثه تطوير الخطاب
المسرحي في تونس وفتحه على آفاق تعبيرية وفنية جديدة.
مسرح
الدولة الحديثة كانت مساهمته جادة في بناء دولة ما بعد الاستقلال وفي محاولة تثقيف
وتطوير المجتمع، كما اسس هذا المسرح لوجود قاعدة جماهيرية متابعة للشأن المسرحي
خاصة في المناطق الداخلية كما مثل ايضا في بعض الاحيان "
العين الناقدة" للواقع و للسلطة التي التجأت في بعض الفترات الى الرقاية
الصنصرة.
فترات
توقف المسرح التونسي:
بولادة
جيل جديد من المسرحيين في أواخر ستينات وأوائل سبعينات القرن الماضي، جيل له معارف
ورؤى جديدة للمسرح وللثقافة بصفة عامة وللواقع السياسي والاجتماعي كان لا بد من
اتخاذ سبل وطرق جديدة للفعل المسرحي حيث مثل تأسيس فرقة المسرح الجديد سنة
1975 نقلة نوعية ومرحلة جديدة في تاريخ المسرح التونسي، ثم قدمت مجموعة من
المسرحيين الشبان تتكون أساسا من الفاضل الجعايبي ومحمد إدريس وجليلة بكار والفاضل
الجزيري والحبيب المسروقي على الشروع في العمل وفق مقاييس جديدة وتنظير جديد
للخطاب المسرحي وآلياته وللعلاقة التي تربط المنتج بالدولة وأنتجوا أعمالا
مثلت نقلة فنية فارقة في الخطاب المسرحي في تونس.
بعد
المسرح الجديد شهد ظهور هياكل الإنتاج المسرحي الخاصة حيوية كبيرة حيث
تكونت الفضاءات الخاصة وشركات الإنتاج الخاصة وهي الآن بالعشرات إلا أن
الإمكانيات المحدودة لهذه الهياكل وانعدام فضاءات التمارين والتوزيع
الخاصة جعل أعمالها متفاوتة وبقيت في اغلبها مرتهنة لدعم الدولة الذي لم
يرقى رغم أهميته لإنتاج أعمال ضخمة و ذات قيمة فنية عالية لأغلب هذه الهياكل.
تبلغ
أيام قرطاج المسرحية هذه السنة دورتها الثامنة عشر وهي أهم ظاهرة مسرحية في تونس،
حيث تأسست سنة 1983 كمهرجان دولي يقام كل سنتين على غرار أيام قرطاج
السينمائية يساعد على تطويرالفنون المسرحية العربية والافريقية وذلك
باستجلاب العروض التي تمثل نسق تطور بلدانها وتعبر عن واقعها الفني والثقافي
والاجتماعي، كما يدعم المهرجان التجارب الرائدة والبحوث المتقدمة في مجال المسرح
مع إذكاء روح التنافس بين المسرحيين العرب والأفارقة.
وكان
المهرجان يقوم على مسابقة رسمية تمنح ضمنها جوائز إضافة إلى العروض الموازية
والندوات المختصة التي تهتم بالراهن المسرحي والدورات التدريبية والفقرات
التنشيطية المتنوعة إلى جانب تكريم المبدعين المسرحيين التونسيين والأجانب.
وفي
فترة لاحقة تم الاستغناء عن الجوائز على اعتبار أن التظاهرة هي بالدرجة الأولى
فرصة لالتقاء الفنانين وعرض تجاربهم خارج أطر المنافسات و قد تحولت منذ الدورة
الفارطة إلى موعد سنوي عوض تنظيمها كل سنتين.