كتبت : مروة أحمد
عرف العالم العربى المسرح الحديث لأول مرة من
خلال مصر أثناء احتلال نابليون بونابرت لمصر فى أواخر القرن الثامن عشر، وسُمي المسرح الأول فى مصر مسرح الجمهورية والفنون ويحفظ لنا التاريخ اسم مسرحيتين تم
تمثيلهما به وهما رواية"زايس وفلكور"، "الطحانين،ومن هنا كانت
اللبنة الأساسية والشرارة الأولى لمعرفة الوطن العربى بفن المسرح، وكانت سائر الدول
العربية ترسل بعثاتها إلى مصر لتعلم فنون المسرح ليعودوا إلى بلادهم فينشئون معاهد
الفنون المسرحية ويكونون الفرق المسرحية التى تتبارى فى إبراز مواهبها، وقد كان
المسرح أحد الوسائل المهمة التى كانت يعبرون من خلالها عن مواقفهم الإجتماعية
والسياسية والثقافية، فقد كانت منطقة الشرق الأوسط تشتعل بالحروب وكانت الأغلبية
تقع تحت كاهل الإحتلال وتبعاتها التى كانت تقوض الكلمة وحرية الرأى من خلال
الصحافة، فكان المسرح يقع على عاتقه أن يؤرخ هذه النكبات التى لم يستطع أن ينفصل
عنها، حتى فى أقسى الأوقات التى كانت فيها الرقابة متشددة وحُراس البوابات يقفون
بالمرصاد من أجل دحض حركة الفن وإنزوائها بعيدًا عن بؤرة الأحداث.
فى خضم ذلك كان لبنان صاحب الحضور اللافت فى إحتوائه للفن بأشكاله المختلفة وخاصة المسرح والسينما، فأفلامنا المصرية حافلة بأسماء نجوم لامعة من لبنان الشقيق كانوا روادًا فى مجال السينما والمسرح فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد "مارون النقاش"، ولد مارون فى مدينة صيدا بلبنان عام 1817 وتوفي فى طرطوس السورية فى عام 1855 ،حضر إلى الإسكندرية فى سنة 1846 وزار القاهرة ، ثم سافر إلى إيطاليا فأعجبته المسارح وحركة الفن التى تنتشر فى أرجاء مدنها ، عاد إلى بيروت وكون فرقته المسرحية بمساعدة مجموعة من أصدقائه المريدين لفن المسرح، فأخذ يلقنهم الدروس ويعهد إلى تدريبهم من أجل تمثيل رواية"البخيل"، فلما أتقنوها دعا إلى حضورها أعيان المدينة لرؤية المسرحية فى حى الجميزة ببيروت عام 1848، وفى عام 1850 قدم مسرحية"هارون الرشيد" المعروفة باسم"أبى الحسن المغفل"، فذاع صيته فأراد أن ينشئ مسرحًا خاصًا فتم ذلك بفرمان سلطانى وعاونوه فى التمثيل كل من بشارة مزرا وخضرا اللبنانى ،حبيب مسك،عبدالله كميد، نقولا نقاش أخيه الأصغر وسعدالله البستانى.
بوفاة مارون النقاش انحسرت حركة المسرح فى
لبنان فنجد أن الكثير من الفنانين والكتاب اتجهوا إلى مصر فكانت لهم بصمة واضحة
كفرقة سليم النقاش ابن أخيه، ثم توالت الفرق كفرقة يوسف الخياط ،فرقة سليمان
القرداحى وفرقة إسكندر فرح، وجاء إلى مصر الكتاب والمترجمون المسرحيون فكان
أبرزهم الكاتب المسرحى فرح أنطون الذي قدم للمسرح المصرى أول مسرحية إجتماعية تنتقد
الأوضاع العامة فى مصر وهى مسرحية"مصر القديمة ومصر الجديدة"
أما جورج أبيض الذى أرسله الخديوى إسماعيل فى
بعثة إلى فرنسا عاد بعدها إلى مصر لينشئ أول فرقة تقدم التراث العالمى فى المسرح
على أسس علمية راسخة ومعروفة ومأخوذة من ما تلقاه فى بعثته العلمية فى فرنسا،
وفى الوقت نفسه خلت الساحة اللبنانية من تقديم أعمال مسرحية جادة، بل تقهقرت إلى
الوراء، فانحسر المسرح فيما تقدمه الفرق المدرسية.
قسم الأديب اللبنانى عبداللطيف
شرارة(1919-1992 )مراحل تطور المسرح اللبنانى فى أربعة مراحل:
المرحلة الأولى كانت تبدأ وتنتهى عند مارون
النقاش، أما المرحلة الثانية فقد شملت الترجمات التى كان لها بالغ الأثر فى إنتعاش
المسرح اللبنانى فنجد شبلى ملاط يعرض مسرحية"الذخيرة" عن الفرنسية،
ومسرحية "شرف العواطف" أو صاحب المعامل الحديدة عن الفرنسى "جورج
أونه"، كما قام أديب إسحاق بترجمة "مأساة
راسين"،"أندروماك"، وعرض فارس كلاب وليشاع كرم مأساة "زايير
لفولتير" ونقلاها إلى الشعر العربى.
وفى المرحلة الثالثة وكانت مرحلة بعث التاريخ
الوطنى العربي حيث كثرت المسرحيات التي تتخذ موضوعاتها من التاريخ العربي كمسرحية"حمدان" ومسرحية"السباق بين عيسى وذبيان" وغيرها، أما
المرحلة الرابعة والأخيرة وكانت مرحلة الواقعية الإجتماعية وقد وصلت إلى لبنان
كإحدى تداعيات إزدهار حركة أدباء المهجر فى أمريكا، وقد شملت هذه الحركة المسرح
أيضًا، فنجد الشاعر جبران خليل جبران يكتب مسرحية"إرم العماد" ، وكتب
ميخائل نعمة"الآباء والبنون"فى عام 1917.
حاول الكُتاب المسرحيين فى لبنان مسايرة موجة
كتابة المسرحيات الشعرية التي ظهرت على يد الشاعر أحمد شوقي فكتب شعراء لبنان على
خطى أمير الشعراء مسرحيات شعرية كانت البداية عند سيد عقل الذى كتب مسرحية شعرية
بعنوان"بنت يفتاح" فى عام 1935 ،ثم مسرحية "قدموس"، ولكن إحدى
المآخذ التى وجهت إلى أعمال "عقل" الشعرية" أنها لم تكن ابنة
البيئة فكانت لا تعبر عن المجتمع اللبنانى ومشكلاته وحالات التفسخ والتجذر التى لا
ينفك أن يتخلص منها ليدخل فى حلقة جديدة من الصراعات،فاعتبرها البعض أن لم تكن
تنتمى إلى الواقع المعاش فى تلك الفترة.
فى ستينيات القرن العشرين بدأت تترسخ مكانة
فرق المسرح اللبنانى ويظهر بريقها ففى عام 1968 تأسست فرقة"محترف بيروت
للمسرح" وذلك على أيدى روجيه عساف ونضال الأشقر وقد شاركت هذه الفرقة فى
عملية تكوين المسرح السياسى فى لبنان من خلال عدة أعمال منها مسرحية
"المفتش" والتى أعدت للمسرح اللبنانى عن جوجول فى عام 1968 ، وفى عام
1970 قدمت مسرحية "كارت بلانش"، و"إضراب اللصوص"فى العام الذى
يليه، ومسرحيتي "مرجانة وياقوت، والتفاحة" و"أزار،أكتوبر" فى
عام 1972
أما فرقة"المسرح الإختباري" التي أنشئت على يد كل من أنطوان ولطيفة ملتقى كانت تمتاز عن غيرها بملكيتها لقاعة
مسرحية تتسع لحوالي 60 متفرجًا وبها خشبة رئيسية شبه عارية يحوطها صفان من
المدرجات ،فاستطاع أنطوان ولطيفة بهذا أن يقوما بدراسة متواضعة لجمهورهما، وكانت من
أهم أعمال فرقتهما مسرحية "يوم مشهود فى حياة العالم الكبير يو"،
ومسرحية "زنجيان صغيران" عن رواية بوليسية لأجاثا كريستى،
ومسرحية"أنا ناخب" معدة عن مسرحية الكاتب الرومانى كاراجالى "،
و"كاليجولا" لألبيركامو.
فى عام 1960 تكونت فرقة"المسرح
المعاصر" وبعد مرور 10 سنوات تحولت هذه الفرقة إلى اسم"مدرسة بيروت
للمسرح المعاصر"، وقد تأسست على يد الفنان منير أبودبس الذى لقب بأبو المسرح
اللبنانى ، وقد شارك أبودبس فى نشاطات "مدرسة باريس" وأنفق وقتًا وجهدًا
كبيرًا فى تقديم العديد من الأعمال المسرحية فكان منها مسرحية"أوديب
ملكًا" لسوفوكليس، "مكبث، هاملت" لشكسبير، الذباب لسارتر، "دكتور
فاوست" لجوته ،"الإستثناء والقاعدة" لبريشت.
