كتبت : ماهي خيري
يعد
المسرح من أهم الأسلحة التي تستطيع التأثير في وعي الجمهور، والوقوف ضد المستعمر،
ومحاربة أي شكل من أشكال الظلم والقهر.. ولعل معظم الدول العربية تعتمد على هذا
السلاح.. ولكن هل تم القضاء على المسرح الليبي.. وهذا السلاح أصابه العطب؟!!
يعكس المسرح
ثقافات الشعوب المختلفة، فبعض الأحيان تكون بدايات المسرح من خلال تقديم الحياة الاجتماعية
أو الدينية لهذا البلد وفى البعض الآخر ينفجر المسرح من خلال الحياة السياسية وأيضاً يمكن أن يكون انهيار المسرح من خلال الحياة السياسية وذلك ما حدث للمسرح الليبي .
يختلف المؤرخون
والفنانون الليبيون حول نشأة المسرح الليبي حيث يرى البعض أن بدايات المسرح الليبي
منذ قديم الازل وذلك من خلال المدن الليبية الأثرية كمدينة " لبده"،
" صبراته"، و" قورينا"، حيث يرى هذا الفريق أن عمر المسرح فى مدينه
لبده كان فى العام الأول قبل الميلاد وأن المسرح الليبي تأثر بالمسرح الإغريقي مثله
فى ذلك مثل باقي مسارح الدول الأخرى .
ثم نجد
بعد ذلك الوالى ( عثمان باشا الساقزلى) قد أنشأ مسرحاً بشارع الترك يسع ٥٠٠ متفرج وبه
شرفة تقدم عليها العروض المسرحيه لفرق محلية وأخرى قادمة من مصر .
اما الفريق
الآخر تنقسم آراءه حول تكوين المسرح الليبي إلى عدة مراحل:
المرحلة الأولى والتى يطلق عليها البعض "المرحلة التاريخية" وهي من عام ١٩٠٨ حتى ١٩٣٦ وقد تم إطلاق هذا المسمى على هذه المرحله حيث كان يقدم فى هذه الفتره عروض دينية وتاريخة والتى تمدح الجهاد والفتوحات الاسلامية والبطولات العربية .
فنجد مقالا
كتبته صحيفة " الترقي الليبية " بتاريخ ١١ اكتوبر ١٩٠٨ بعنوان " حب
الوطن " والذي تحدثت فيه عن عرض بإحدى مسارح طرابلس وهى مسرحيه " وطن" والتى قدمتها فرقة " جمعية التشخيص "
والتى أسسها الصحفي "محمد قدري المحامى" وألفها الشاعر التركي "محمد
نامق" وتدور أحداث المسرحية حول تعاطفها مع عمال البناء الذين رفضوا تفريغ سفينة
نمساوية، تعبيرا عن رفضهم للصراع القائم فى البوسنة والهرسك فى ذلك الوقت.
وبعد ذلك
قدمت نفس الفرقه المسرحية مسرحيتين وهما "شهيد الحريه" و "محاكمه المستبدين"
ولكن تم ايقاف الفرقة المسرحية من تقديم أي عمل مسرحي اخر وذلك مع دخول المستعمر الإيطالي
إلى ليبيا وتم قمع جميع الفرق والعروض.
ففي عام
١٩٢٨ أثناء الاحتلال الإيطالي لـ ليبيا عاد الفنان "محمد عبد الهادي " والذي
يعد رائد المسرح الليبي الحقيقي من جولته فى بلاد الشام ولبنان، حيث تأثر بمسرح
" ابو خليل القباني" ثم سافر إلى مصر وكان معجباً بمسرح نجيب الريحاني بشده
فعاد ليؤسس أول فرقة مسرحية ليبية فى مدينه " طبرق" وقدم مسرحية " لو
كنت ملكاً " ولكنه لم يستطيع استكمال تقديم العرض وذلك لأسباب اجتماعية، ولكنه
انتقل إلى مدينة " درنة " وقدم العرض المسرحي هناك عام ١٩٣٠ .
وفى عام
١٩٣١ قدم مسرحية " هارون الرشيد " ثم توالت الأعمال المسرحية وتأسست عدة
فرق مسرحيه أخري فى جميع أنحاء ليبيا.
وأهم رواد
هذه الفترة "محمد عبد الهادي"، "الشاعر ابراهيم الأسطى عمر" ,
"انور الطرابلسي" و "محمد سرقيوه"
وتأتي المرحله الثانية منذ عام ١٩٣٦ حتى عام
١٩٤٥، وتميزت هذة المرحلة بظهور مسرحيات ذات طابع اجتماعي نوعاً ما .
ففي غرب
ليبيا ظهرت فرقه مسرحية تسمى "الفنون والصنائع " والتى قدمت العديد من العروض
المسرحية والاسكتشات ، وظلت الفرقة فى تقديم عروضها المسرحية من عام ١٩٣٦ وحتى عام
١٩٣٩ حتى بدأت الحرب العالمية الثانية.
تأسس المسرح في مدينة بنغازي على يد الفنان " رجب البكوش" عام ١٩٣٦ حيث كان مؤلفاً ومخرجاً وممثلاً وأيضا مكتشف المواهب فهو يعتبر رائد المسرح فى مدينة بنغازي وقدم العديد من العروض المسرحية، وكانت أول فرقة يؤسسها " رجب البكوش" هي فرقة " الشاطئ للتمثيل " وكان مقرها شاطئ البحر بجانب المنارة والتي تقع بجبانة "سيدي خريبيش".
بدأت الفرقة
في تقديم العديد من المسرحيات منها "الشيخ ابراهيم" وهو نص اجتماعي غنائي
من نصوص الف ليله وليله، ومسرحية ( الوفاء العربي ) وهذه المسرحية تعد أول مسرحية متكاملة
تقدم الحركة والكلمة.
ومع مرور السنوات تكونت أكثر من فرقة مسرحية في بنغازي
منهم "المسرح الوطنى" "المسرح
الشعبي" و "المسرح العربي" .
يعد من
أهم رواد هذه المرحلة "رجب البكوش"، "البشير العريبي" ،
"محمد حمدي"، "احمد قنابه"، "مصطفى العجيلي" و"سالم
بوخشيم".
المرحلة الثالثة وهي من عام ١٩٤٥ حتى عام ١٩٥٢ وتعتبر هذه المرحلة هى مرحلة تبلور الوعي السياسي،
حيث بدأت تتضح الرؤى السياسية في المسرح الليبي كما تأسست في هذه الفترة فرق مسرحية
متعددة وتكونت الفرق الاجنبية .
المرحلة الرابعة وهى الفتره من عام ١٩٥٢ حتى عام ١٩٦٢، وفى تلك المرحلة ظهرت أول ممثلة ليبية على خشبه المسرح، حيث كان أول ظهور للمرأة في المسرح الليبي عام ١٩٣٩، من قبل فنانتين مصريتين " فتحيه مصطفى " و " فتحيه محمد " وذلك من خلال فرقة " الفنون والصنائع " في العرض المسرحي (يسقط الحب) في مدينة طرابلس .
ففي عام
١٩٦٠ ظهرت أول فنانة ليبية وهي "فائزة محمود" والمعروفة باسم "حميدة
الخواجة" من خلال مسرحية " طريق الشيطان " .
وننتقل
إلى فترة السبعينيات والتي تعد فترة إزدهار المسرح الليبي، وتطوره حيث تمت الإستعانة بخبراء مسرحيين من مصر للنهوض بالمسرح
الليبي ومنهم "عمر الحريري"، "السيد
راضي"، "محمد توفيق"، "زين
العشماوي" ... وغيرهم الكثير، ممن ساهموا
فى تطوير وازدهار المسرح الليبي فى مجالات كثيرة منها التمثيل والتأليف والإخراج
....
ولكن إذا نظرنا إلى المسرح الليبي الآن نراه يمر بحالة ركود مسرحي، والتي يرجعها البعض إلى فترة النظام السابق،
حيث إيقاف المهرجانات المسرحية مثل: "أيام طرابلس المسرحية"، و"مهرجان
المسرح التجريبي"، و"مهرجان النهر الصناعي"، و"المهرجان الوطني
للفنون المسرحية" الذي توقف عام 2008، وتلحق كل هذه الأسباب الظروف
السياسية الحالية التي تمر بها البلاد وعدم
توافر الأمن وصعوبة الحياة الإجتماعية، وقلة تواجد الإمكانيات اللازمة لإقامة مسرح،
لنجد أنه تم التخلي عن هذا السلاح الفعال والقادر على إثارة الوعي، وكأنه احد
الأسلحة العاطبة التي تم الاستغناء عنها.
