مسرح الجزائر.. صراعات المقاومة والتطوير

 


كتبت : رانا أبو العلا 

لقد مر المسرح الجزائري منذ نشأته بالكثير من المراحل المختلفة، تميزت كل مرحلة منهم بسمات مختلفة وتطورات في الحركة المسرحية مما شكل طابع وهويه المسرح الجزائري، فنجد ان المرحلة الأولى والتي تتراوح بين عامي 1926م و1934م تميزت عروضها بالواقعية واهتمت موضوعات النصوص بتلك الفترة بقضايا ومشاكل الشعب اليومية، ولجأ المسرحيين إلى المسرح الارتجالي بشخصيات ثابتة بالإضافة إلى بعض أنواع من العروض ذات الطابع الهزلي، وقد بدأت المرحلة الثانية منذ عام 1934م واستمرت حتى نشبت الحرب العالمية الثانية عام 1939م وهنا بدأ تدخل الاستعمار الفرنسي في النصوص التي تقدم على خشبه المسرح بعدما لاحظ المستعمر الخطر الذي يُحيط بهم وبتواجدهم بسبب المسرح الذي كان قد أصبح فن له طبقة عريضة من الجمهور وهو ما جعل صناع العروض المسرحية يتحايلون على المراقبين الذين يأتوا من طرف المستعمر بعرض نص للرقابة يختلف عن ما يقدم على خشبة المسرح للجمهور، أما المرحلة الثالثة فكانت أقل أهمية من المرحلتين السابقتين وهي التي بدأت عام 1939م وانتهت مع نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945م وهنا بدأت حركة الترجمة تطفو على السطح والتي لم تكن معروفه من قبل في الجزائر وكذلك بدأ انتشار ثقافة الاقتباس حيث اتجهت بعض الفرق المسرحية في هذا الوقت إلى ترجمة بعض النصوص من تراث المسرح الفرنسي وقدمتها أمام الجمهور الجزائري، وبتلك المرحلة ظهر جيل جديد من الكتاب من بينهم محمد الثوري ومصطفى بديع ومصطفى قادري ومصطفى كاتب، وهناك المرحلة الرابعة والتي لم تستمر سوى عام واحد وهو عام 1954م وهي السنة التي نشبت بها الثورة الجزائرية التحريرية الكبرى، مما تسبب في وقف النشاط المسرحي وبالتالي وقف هذه المرحلة لتعود من جديد عام 1956م وكانت أغلب نصوص تلك المرحلة ذات مضمون ثوري حيث لعبت الفرق المسرحية بهذا الوقت دورا سياسيا توعويا بارزا. 

آخر مراحل المسرح الجزائري قبل الاستقلال، وقد بدأت عام 1956م وانتهت 1962م وفي تلك المرحلة استمر اهتمام المسرح الجزائري بقضايا متصلة بحياة الشعب الجزائري والتحرر من الاستعمار كما ناقشت بعض مشاكل الفلاح الجزائري ومعاناته مع الاستعمار الفرنسي وما إلى ذلك، وفي هذا الوقت عمل المستعمر الفرنسي بكافة مجهوداته لمحاربه الفنانين والفرق المسرحية مما تسبب في وقف الكثير من الفرق المسرحية عن العمل، ومن ثم انصرف أغلبهم إلى صفوف الثورة لخدمة قضايا الوطن والتعريف بها على أوسع نطاق لتصل إلى العالمية، حيث شارك الفنانين في معركة تحرير الجزائر من أجل استعادة السيادة الوطنية وتحرير البلاد من سيطرة الاستعمار الفرنسي.

حين استقلت الجزائر عام 1962م تم تنظيم المسرح الوطني الجزائري بوصفه المشرف على تنظيم جميع النشاطات الثقافية والفنية، وعليه تم إثراء الحركة المسرحية بصوره أكثر احترافية وذخر بكثير من العروض على يد أعلام من المسرحيين الذين دفعوا فن المسرح الجزائري إلى الأمام من بينهم "مصطفى كاتب" و"عبد القادر ولد عبد الرحمن كاكي" و"عبد الحليم رايس"، وكان لمسرح الهواة نصيبا من الإثراء الفني ايضاً وذلك بفضل مسيرة مهرجان مسرح الهواة عام 1967م، أما في عام 1970م تم إعادة تنظيم المسرح الوطني الجزائري ليصبح سفير الجزائر في الميدان الثقافي.

وقد بدأ انتعاش المسرح الجزائري عام 1973م وذلك بتوسيع رقعة مجال الحركة المسرحية المحترفة لتشمل أكبر المدن الجزائرية، حيث تم انشاء أربعة مسارح جمهورية في أكبر المدن الجزائرية وهم "وهران" و"عنابة" و"سيدي بلعباس" و"قسنطينة"، والتي استغلت الكفاءات المسرحية المتخرجة آنذاك من المعهد العالي لحرف فنون العرض السمعي والبصري، والذي كان يُسمى قديما "المعهد الوطني للفنون الدرامية ببرج الكيفان" استغلالا حسنا لإثراء الحركة المسرحية أكثر مما كانت. 


نصل أخيرا إلى المرحلة السادسة والتي شهدت انتشارا واسعا للمسارح في الجزائر كما ظهر العديد من الفرق المسرحية الجزائرية التي تنوعت اتجاهاتها كـ "المسرح الشعبي" و"مسرح الأصالة والتراث" و"مسرح الواقعية الثورية" وهكذا. وحين استقلت الجزائر اتخذت بعض الإجراءات التي استهدفت الرفع من قيمة المسرح والسير به نحو ما يخدم المبادئ الوطنية وتمثلت أساسا في قانون التأميم الذي تم بفضله انشاء مدرسة لتكوين الكوادر المسرحية بـ"برج الكيفان" عام 1965م.

لقد تأثر المسرح الجزائري بالتيارات المسرحية العالمية كالمسرح التقليدي الذي يقدم على خشبة تقليدية أو ما يُسمى بـ"العلبة الإيطالي" أو "المسرح الملحمي" لبريخت وغيره، فنجد اننا بصدد مسرح استهدف في الأساس قضايا المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا  من أجل خلق الوعي وتثقيف المتلقي دون النظر إلى الجانب التجاري، ولكنه  تأثر مؤخراَ كغيرة من المسارح العربية بمسرح ما بعد الدراما حيث تراجع حضور النصوص المكتملة الأركان وفرضت السينوغرافيا ذاتها على المشهد المسرحي باستخدام مفرط للتكنولوجيا التي تواكب العصر، حتى يمكننا القول بأن الشكل أصبح مسيطر على المضمون، كما أصبحت الجامعة الجزائرية تولي اهتماما أكبر لفن المسرح، واسست كليات للفنون وأقساما لدراسة الفنون الدرامية بالإضافة إلى تخصيص عدة شعب وتخصصات ومسارات في مجال المسرح، ومن ثم بدأ نشر الأبحاث والمؤلفات وكذلك الرسائل التي تتناول فن المسرح، وازداد تألق المسرح الجزائري بتأسيس المهرجانات المسرحية حيث شاركت الفرق الجامعية فيما يُعرف بـ"مهرجان المسرح الجامعي"، ونجد أيضاً مهرجان "المسرح الفكاهي" ومهرجان "المسرح الأمازيغي"، وأيضاً مهرجان "المسرح النسوي"، و"المهرجان الدولي للمسرح،" كما تأسس "مهرجان لمسرح الطفل"، وغيره من المهرجانات، حتى يمكننا القول بأن المهرجانات المسرحية أصبحت منتشرة بكافة أرجاء دولة الجزائر وبالتالي تُصبح الجزائر الآن زاخره بالعروض المسرحية، والنشاط المسرحي الذي أصبح له جمهوره الذي ينتظر كل ما هو جديد من انتاج مسرحي على مدار العام.