كتبت: رانا أبو العلا
ظهر فن المسرح في العالم
العربي عقب اتصاله بالحضارة الغربية، وهو ما يتفق عليه أغلب الباحثين، ومن بين
البلدان العربية تأتي دولة الجزائر كواحده من البلدان العربية التي ظهر فيها
المسرح كنوع فني له أصوله وقواعده الخاصة .
يتفق أغلب الباحثين أن نشأة
مسرح الجزائر ترجع إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى والتي اندلعت عام 1914 واخمدت
نيرانها عام 1918م، فعلى الرغم من اتصال الجزائر بالحضارة الأوروبية نتيجة
الاستعمار الفرنسي الذي احتل البلاد لسنوات طويلة، إلا أن فن المسرح لم يظهر إلا
بعد مضي قرن تقريبًا على الاستعمار الفرنسي للجزائر، ولكن هذا لا ينفي وجود ألوان
من الفنون في التراث الجزائري حتى مع الانغلاق التام الذي فرضه الاستعمار، فقد ذخر
التراث الجزائري بالكثير من الفنون القصصية والتمثيلية الشعبية التي نتجت من الأجواء
التاريخية التي عاش الجزائريون في خضمها، وقد شكلت تلك الألوان الفنية رغم بساطتها
الموروث الشعبي لديهم وأصبح يشكل جزءًا هامًا من مكونات الشعب الثقافية والفكرية،
ورغم أن ذلك الموروث الشعبي كان يصنع الفرجة التي تحقق المتعة إلا أنها لم تكن تصل لتكون مسرحًا بالمعنى والقواعد المتفق عليها، أما المسرح الأوروبي فقد وُجد في
الجزائر في ظل حقبة الاستعمار الفرنسي تحت إدارتهم وشروطهم فحسب.
تأسس المسرح الجزائري بداية تحت ظلال الحركة الوطنية، بالإضافة إلى الزيارات التي قامت بها بعض الفرق المسرحية العربية للجزائر ومن بينهم كانت فرقة جورج أبيض التي زارت الجزائر عام 1921م، والذي كون حماس كبير لدي الجزائريين لتأسيس جمعيات وفرق مسرحية تمكنت فيما بعد من تشكيل مسرح جزائري وإن كان ذو شكل وطابع أوروبي، ومن ثم بدأ الإنتاج المسرحي الشعبي عام 1926م، والذي استند على التراث الشعبي فقد عمل رواد هذا الفن في الجزائر وهم " سلالي علي المعروف باسم علالو" و"رشيد القسنطيني" وأيضاً "محي الدين باش تارزي" والذين يعدوا رواد هذا الفن في الجزائر كونهم وضعوا البنية الأولى لنشأة فن المسرح بهوية وطنية في موطنهم، واعتمدوا على استلهام موضوعاتهم من التراث الشعبي كـحكايات ألف ليلة والسيَر الشعبية وما إلى ذلك، والتي كانت تقدم باللغة العامية نظرا لظروف الاستعمار التي فرضت عليهم الانغلاق وبالتالي عدم القدرة على التثقيف المسرحي بقدر كبير، وقد نجح هؤلاء في تقديم موضوعات مسرحية واقعية تصور حياتهم اليومية للمواطنين الكادحين ومن ثم انجذب إليها الكثيرون من الجمهور وتفاعلوا مع ذلك النوع الفني الذي يمثلهم ويعكس حياتهم الاجتماعية وكأنهم ينظرون في المرآة، بالإضافة إلى مقاومة الاستعمار الفرنسي، فكان الهدف الأسمى لهذا الفن هو إصلاح المجتمع من تبعيات الاستعمار، وهذا ما دفع قادة الثورة إلى إقامة فرقة فنية لجبهة التحرير الوطني بتونس عام 1958م، والتي انتجت منذ نشأتها أربعة مسرحيات ثورية عُرضت في أكثر من دولة لدعم القضية الجزائرية حيث وّكل إليها مهمة التعريف بالقضية الوطنية الجزائرية للرأي العام العالمي لتكشف عن كفاح الشعب الجزائري والتصدي للمستعمر الفرنسي
